بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على
سيد المرسلين سيدنا ونبينا محمد الطاهر الأمين وعلى آله أجمعين
يجوز المسح
على الخفين في الحضر والسفر لماروى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى
الخفين فقلت يا رسول الله نسيت فقال بل أنت نسيت بهذا أمرني ربي) حَدِيثُ صَحِيحٌ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بهذا اللفظ
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ
الْمُغِيرَةِ ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى
الْخُفَّيْنِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ) وَهِيَ مِنْ آخِرِ أَيَّامِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ
الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَائِدَةِ نَزَلَتْ قَبْلَ غَزْوَةِ تَبُوكَ بِمُدَدٍ
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَرِيرٍ
الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ
وَعَنْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ وعليه وَسَلَّمَ جَعَلَ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ) رَوَاهُ
مُسْلِمٌ
وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِ
الْإِجْمَاعِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ
فيمَسْحَ الْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ
بِلَيَالِيِهَا وَالْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ،والْمُرَادُ بِالْمُسَافِرِ
الَّذِي يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ الْمُسَافِرُ سَفَرًا
تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ .ويعتبر ابتداء المدة من حين يحدث بعد لبس الخف
وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ مَا شَاءَ
مِنْ الصَّلَوَاتِ فَرَائِضَ الْوَقْتِ وَالْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ.
وان لبس الخف في الحضر وأحدث ومسح ثم سافر أتم مسح مقيم
لانه بدأ بالعبادة في الحضر فلزمه حُكْمُ الْحَضَرِ وان أحدث في الحضر ثم سافر
ومسح في السفر قبل خروج وقت الصلاة أتم مسح مسافر من حين أحدث في الحضر لانه بدأ
بالعبادة في السفر فثبت له رخصة السفر
ويشترط لجواز المسح ما يأتي :
أولا :أَنْ يَكُونَ الخف صَحِيحًا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ
الْمَشْيِ عَلَيْهِ أي أنه يمكن المشى
عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعِ النُّزُولِ وَعِنْدَ الْحَطِّ وَالتَّرْحَالِ وَفِي
الْحَوَائِجِ الَّتِي يَتَرَدَّدُ فِيهَا فِي الْمَنْزِلِ وَفِي الْمُقِيمِ نَحْوُ
ذَلِكَ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ لَابِسِي الْخِفَافِ
وَأَمَّا الْمُخَرَّقُ فَفِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ
(إحْدَاهَا )أَنْ يَكُونَ الْخَرْقُ فَوْقَ الْكَعْبِ فَلَا يَضُرُّ وَيَجُوزُ
الْمَسْحُ عَلَيْهِ (الثانية) أن يَكُونُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَلَكِنَّهُ
يَسِيرٌ جِدًّا بحيث لا يظهر منه شئ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَيَجُوزُ الْمَسْحُ
(الثالثة)أن
يَكُونُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ يظهر منه شئ مِنْ الرِّجْلِ وَيُمْكِنُ مُتَابَعَةُ
الْمَشْيِ عَلَيْهِ فيجوز المسح عليه لأن الْمَسْحِ رُخْصَةٌ وَتَدْعُو الْحَاجَةُ
إلَى الْمُخَرَّقِ وَبِأَنَّهُ لا تخلوا الْخِفَافُ عَنْ الْخَرْقِ غَالِبًا
وَقَدْ يَتَعَذَّرُ خَرْزُهُ لَا سِيَّمَا فِي السَّفَرِ فَعُفِيَ عَنْهُ
لِلْحَاجَةِ
(الرابعة) أن يَكُونُ الْخَرْقُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ
وَهُوَ فَاحِشٌ لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَلَا يجوز المسح
ثانيا: أن يكونا طاهرين فلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى
خُفٍّ مِنْ جِلْدِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ
وَكَذَا لَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ إلَّا بَعْدَ
غَسْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَفَائِدَةُ الْمَسْحِ وَإِنْ
لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الصَّلَاةِ فَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الصَّلَاةُ .
ثالثا : أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّ علي طهارة والدليل عليه
ما روى ابو بكرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلم أرخص للمسافر ثلاثة ايام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن
يمسح عليهما) حَدِيثُ حَسَنٌ
وَعَنْ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
صَبَبْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضوئه ثم أهويت
لا نزع خُفَّيْهِ( فَقَالَ دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ
فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَعَنْ
صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ
صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا نحن أدخلنا هما عَلَى
طُهْرٍ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
وَعَنْ ابْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَأَلْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَيَتَوَضَّأُ أَحَدُنَا وَرِجْلَاهُ فِي الْخُفَّيْنِ قَالَ نَعَمْ إذَا
أَدْخَلَهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ .رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
.
والسنة أن يمسح أعلى الخف لما َرَوَى التِّرْمِذِيُّ
بِإِسْنَادِهِ عن عبد الرحمن ابن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ
عَلَى ظَاهِرِهِمَا ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
وَعَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ كَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ
أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ وَقَدْ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ ) رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ
فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ جُزْءٍ مِنْ أَعْلَاهُ
أَجْزَأَهُ ،لما رُوِيَ عَنْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ خُطُوطًا
بِالْأَصَابِعِ)
ويُجْزِئُ
الْمَسْحُ بِالْيَدِ وَبِأُصْبُعٍ وَبِخَشَبَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا
،ولَوْ غَسَلَ الْخُفَّ بَدَلَ مَسْحِهِ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ عَلَيْهِ
وَلَمْ يُمِرَّهَا عَلَيْهِ أَوْ قَطَّرَ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسِلْ
أَجْزَأَهُ.
وإذا مسح علي الخف ثم خلعه أو انقضت مدة المسح وهو على
طهارة المسح
غْسِلُ
قَدَمَيْهِ ،وَسَوَاءٌ غَسَلَهُمَا بِقُرْبِ نَزْعِهِ أَوْ بَعْدَهُ مَا لَمْ
ينتقض وُضُوءُهُ
لأن الْأَصْلُ غَسْلُ الرِّجْلِ وَالْمَسْحُ بَدَلٌ
فَإِذَا زَالَ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ .
وإذَا نَزَعَ أَحَدَ خُفَّيْهِ فَهُوَ كَنَزْعِهِمَا
لأَنَّهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِيهِمَا فَصَارَ
ظُهُورُ أَحَدِهِمَا كَظُهُورِهِمَا
هذا وبالله
التوفيق والحمد لله رب العالمين