حكم التأمين لدى شركات التأمين الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الطاهر الأمين.
صورة المعاملة :يرغب كثير ممن يجتاجون الى
التأمين على أشخاصهم أو ممتلكاتهم أو من المسؤولية تجاه الغير بالتأمين لدى شركات
التأمين الإسلامية فما هو الحكم الشرعي لهذا التأمين؟
الحكم
الشرعي :إن شركات التأمين الإسلامية أُنشئت لتعمل بمقتضى
عقد التأمين التعاوني المقر شرعاً من المجامع الفقهية كبديل لعقد التأمين التجاري
المحرم الذي تعمل بمقتضاه شركات التأمين التجاري , وقد تم تأصيل جميع وثائق
التأمين الصادرة عن شركات التأمين الإسلامية على أساس عقد التأمين التعاوني حيث
تمثل كل وثيقة منها عقداً لنوع من أنواع التامين التي تؤمنها تلك الشركات كتأمين
المركبات , والبضائع , والتأمين الصحي, والتأمين على الحياة وغيرها .ويستدل على
مشروعية عقد التأمين التعاوني الذي تمارسه شركات التأمين الإسلامية بالأدلة
التالية:
أولاً: النصوص الشرعية:
إن نصوص
القرآن الكريم والسنة الشريفة منها ما هو خاص ومنها ما هو عام من حيث دلالتها على
الأحكام الشرعية، أما فيما يتعلق بحكم التأمين الإسلامي، فلا يوجد نص خاص من
القرآن الكريم أو السنة الشريفة يدل على مشروعيته وحلِّه، ولكن يستدل على مشروعية
التأمين الإسلامي بعموم دلالة بعض الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية
الشريفة التي تدعو وتحث على أعمال البر والخير وعلى النحو التالي:
1-
الآيات القرآنية الكريمة:
أ- قول
الله تبارك وتعالى: )وتعاونوا على البر والتقوى([المائدة: 2].
ب- قوله
جل وعلا: )وافعلوا الخير لعلكم تفلحون([الحج: 77].
وجه
الاستدلال: أن التأمين التعاوني يدخل في عموم التعاون على البر الذي أمرنا الله
تبارك وتعالى به، لأن البرَّ اسم جامع لأعمال الخير، ولا شك أن تبادل التبرع بين
حملة الوثائق الذي يقوم عليه التأمين الإسلامي يمثل وجهاً من وجوه الخير وصورة من صوره..
2- السنة
النبوية المطهرة :
أ- ما رواه
سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: خفّت أزواد القوم وأملقوا(1) فأتوا النبي صلى
الله عليه وسلم في نحر إبلهم، فأذن لهم، فلقيهم عمر رضي الله عنه فأخبروه فقال: ما
بقاؤكم بعد إبلكم؟ فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما
بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ناد في الناس يأتون بفضل
أزوادهم فبُسط لذلك نطع(2) وجعلوه على النطع، فقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم فدعا وبرّك عليه(3)، ثم دعاهم بأوعيتهم فأحثى
الناس حتى فرغوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله
وأني رسول الله(4).
المعنى
الإجمالي للحديث: أن
مجموعة الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في
السفر أوشك طعامهم الشخصي على النفاد، وقاربوا على الفقر، فاستأذنوا النبي صلى
الله عليه وسلم في نحر إبلهم لدفع الجوع عنهم، فأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم
، ولكن الفاروق عمر رضي الله عنه أدرك أنهم إذا استمروا على نحر ما معهم من الإبل
فسوف لا يبقى معهم ما يركبونه في سفرهم , ورأى أن يستثمروا وجود النبي الكريم صلى
الله عليه وسلم بينهم بحيث يدفع عنهم الفقر والجوع بإحدى معجزاته عليه الصلاة
والسلام، فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك، فأيده عليه الصلاة والسلام وأمره
أن ينادي في الناس بحيث يأتون بما بقي معهم من أزواد وتجعل كلها على بساط واحد،
فلما فعل الصحابة رضي الله عنهم ذلك جاء المصطفى عليه الصلاة والسلام فدعا الله
تبارك وتعالى أن يبارك في ذلك الطعام ويكثره، فكثر بإذن الله ثم ملأ الصحابة رضي
الله عنهم أوعيتهم من الطعام، فشكر النبي صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه وتعالى
وبيّن لهم أن ذلك كان بفضل الله سبحانه وتعالى لأنه عليه الصلاة والسلام رسول
الله.
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى
الله عليه وسلم أرشد الصحابة الأجلاء رضوان الله عليهم لرفع
ودفع خطري
الفقر والجوع على أساس التعاون والتضامن فيما بينهم بطريقتين:
الأولى: أن
ينحروا إبلهم ويشتركوا في الأكل من لحمها.
الثانية: أن
يقدم كل منهم ما بقي معه من طعام شخصي لتكوين خليط من الطعام المشترك ويقتسموه
بينهم.
وبالتدقيق
والتحقيق يظهر جلياً أن ما فعله الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم وأرشدهم إليه
وأقرهم عليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يتفق تماماً مع فكر التأمين
التعاوني الذي يهدف إلى ترميم ومعالجة آثار الأخطار التي تهدد الفرد أو الجماعة
على أساس التعاون والتضامن فيما بينهم، وذلك من خلال تكوين مال مشترك من الأموال
الشخصية التي يقدمها كل فرد منهم.
ويشهد لصحة
هذا الاستدلال أن الإمام البخاري رحمه الله عندما أخرج الحديث الشريف في الصحيح
جعله في كتاب الشركة وبوّب له بقوله: باب في الشركة في الطعام والنِّهد والعروض.
وهذا من فقه
الإمام البخاري رحمه الله، لأن النِّهد لغة هو: ما تخرجه الرفقة من النفقة بالسوية
في السفر.
فالإمام
البخاري رحمه الله فهم هذا الحديث الشريف على أنه صورة من صور التعاون بين الرفقة
في السفر من خلال الاشتراك فيما بينهم بما معهم من طعام أو نفقة، فأدخله في كتاب
الشركة لتحقق معنى الاشتراك بين مجموعة المسافرين، ونظراً لأن الشراكة كانت في
السفر وعلى ما معهم من طعام ونفقة وعروض بوّب لها بما تقدم.
ب- عن أبي
موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الأشعريين
إذا أرملوا في الغزو (أي نقص طعامهم وأوشك على النفاد) أو قلَّ طعام عيالهم
بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية
فهم مني وأنا منهم».
وجه
الاستدلال: أن التأمين
الإسلامي الذي يقوم على أساس التعاون والتضامن بين المشتركين فيه لترميم آثار
المخاطر التي تصيبهم يمثل صورة تطبيقية لمعنى التعاون الذي أقره النبي الكريم صلى
الله عليه وسلم في هذا الحديث وحث عليه.
ج- أحاديث
المصطفى صلى الله عليه وسلم التالية: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم
مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
«المؤمن
للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً».
«والله في عون
العبد ما كان العبد في عون أخيه».
وجه
الاستدلال: أن إعانة
المسلم لأخيه مادياً أو معنوياً من أفضل القربات عند الله سبحانه وتعالى. وإن دفع
التعويضات للمتضررين من المشتركين في التأمين التعاوني يعدُّ تطبيقاً عملياً
للتعاون المادي الذي حثت عليه هذه الأحاديث الشريفة.
د- نظام
العواقل في الشريعة الإسلامية الثابت بالسنة النبوية الصحيحة: ففي حالات القتل غير
العمد التي توجب دفع الدية شرعاً على أفراد عشيرة القاتل البالغين. فإن أفراد تلك
العشيرة يتعاونون فيما بينهم وبإلزام الشرع الشريف على ترميم آثار الضرر المادي
الناتج عن جناية القتل الخطأ المتمثل بدفع الدية.
وفي التأمين
الإسلامي يلتزم المشتركون فيه بتبادل التبرع فيما بينهم بمقتضى عقد التأمين
التعاوني لجبر الضرر الذي حل أو يحل بأيٍّ منهم.
فيلتقي بذلك
التأمين الإسلامي مع نظام العواقل في الغاية والوسيلة، فالغاية في الحالتين دفع
الضرر، والوسيلة بذل المال.
ثانياً:
مقاصد الشريعة الإسلامية:
إن مقاصد الشريعة الإسلامية تقوم على أساس تحقيق مصالح العباد بجلب المنافع لهم
ودرء المفاسد عنهم. ولا شك أن التعاون بين المشتركين في التأمين القائم على أساس
التبرع الملزم بينهم يحقق مصلحتهم لأنه يدفع ويرفع الضرر عن المتضررين منهم بشكل
تعاوني ينسجم مع مدلولات النصوص الشرعية في هذا الشأن(1).
ثالثاً:
الأدلة العقلية:
فالتأمين التعاوني يخلو من الربا بشتى صوره إيداعاً واقتراضاً واستثماراً،وعقد
التأمين التعاوني من عقود التبرعات لأنه يقوم على أساس التبرع المتبادل بين
المشتركين، وعقود التبرعات تصح مع الغرر أو الجهالة لقيامها على الإحسان والبرِّ
طمعاً في الأجر والثواب.
رابعاً:
إقراره من مجامع الفقه الإسلامي وهيئات كبار العلماء والرقابة الشرعية وكما يلي:
1-
قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية
السعودية في دورته العاشرة بالرياض عام 1397هـ والذي جاء فيه:
«بعد الدراسة
والمناقشة وتداول الرأي قرر المجلس جواز التأمين التعاوني وإمكان الاكتفاء به عن
التأمين التجاري ....بتصرف»
1-
قرار مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر
الشريف حيث جاء فيه: «التأمين الذي تقوم به جمعيات تعاونية يشترك فيها جميع
المستأمنين لتؤدى لأعضائها ما يحتاجون إليه من معونات وخدمات أمر مشروع وهو من
التعاون على البر».
هذا وبالله التوفيق والحمد لله رب العالمين.
(1) أي قاربو الفقر بسبب نفاد
أزوادهم.
(2) بساط من الجلد.
(3) دعا الله سبحانه وتعالى أن يكثره، فكثره سبحانه وتعالى بحيث ملأ كلٌّ
منهم وعاءه، وهي إحدى معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم بتكثير الطعام الذي يدعو
عليه الصلاة والسلام أن يبارك فيه.
(4) رواه الإمام البخاري في صحيحه، في كتاب الشركة، باب في الشركة في
الطعام والنهد والعروض، انظر: مختصر صحيح البخاري حديث رقم /1131.
(1) انظر: بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، د. علي القره
داغي/587