المفهوم الشرعي للدين وما يتعلق به


الحمد لله رب  العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الطاهر الأمين. 
 
أولاً :  تعريف الدين   : هو المال المؤجل المضمون في الذمة كالثمن للمبيع ، والبدل للقرض ، والأجرة للمنفعة ، وقيمة المتلف ، والمبيع في بيع السلم .  
ثانياً :  استبدال الدين بالعين : وهو قيام المدين بتقديم عين للدائن بدل الدين الثابت في الذمة، كالعقار أو السلعة أو المركبة ، وهو جائز شرعاً وإن كانت قيمة العين أقل من قيمة الدين لأنه مصالحة على الدين بالعين .  
ثالثاً :  إعادة جدولة الدين : وهي إعادة تقسيط الدين المؤجل من جديد بحيث يزاد في الأجل المتفق عليه سابقاً ويخفض مقدار القسط المستحق لتسهيل تسديد الدين .
ويختلف الحكم الشرعي لجدولة الدين تبعاً لوجود الزيادة في مقدار الدين أو عدمها ، ففي حالة الاتفاق على جدولة الدين بحيث يزاد في الدين مقبال الزيادة في الأجل فلا يجوز ذلك لأنه صورة من صور الربا المحرم ، وهو ما يعرف بربا الجاهلية المراد بقوله تبارك وتعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ) .فكانوا في الجاهلية يقولون إذا حل أجل الدين إما أن تقضي وإما أن تربي ، فإن قضى المدين الدين برئت ذمته وإن لم يقضِ زاده الدائن في الأجل مقابل زيادة في الدين .  وأما إذا لم يترتب على إعادة الجدولة زيادة في الدين فيجوز ذلك شرعاً بل يستحب لأنه من باب إنظار المعسر الذي ندبنا الله تبارك وتعالى إلى فعله بقوله سبحانه:  ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) .  

رابعاً : شراء الدين بالنقد : وله صورتان :  
الأولى : أن يقوم البائع الدائن ببيع ما لديه من "كمبيالات" على المدين لشخص أو مصرف فيأخذ بدل دينه المؤجل نقداً أقل ، فيصبح الشخص أو المصرف المشتري لهذا الدين دائناً للمدين الأول بالدين الثابت في ذمته وإلى الأجل المتفق عليه بينهما .  
الثانية : أن يقوم المصرف بشراء الديون المؤجلة لمديني مصرف آخر بثمن نقدي أقل من قيمتها فيصبح دائناً لهم بتلك الديون إلى آجالها المتفق عليها .  
فهاتان الصورتان محرمتان شرعاً لأنهما بيع للدين بالنقد ، وهو صورة من صور ربا النسيئة المحرم بصحيح السنة النبوية ، فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه –  قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض  ، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز ) أي لا تزيدوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها مؤجلاً بحال.
فالمعاملة بصورتيها مبادلة نقد بنقد مع التفاضل بسبب الأجل ، فالمشتري للدين دفع نقداً مقابل الدين المؤجل ليحصل على الزيادة مقابل تأجيل الدفع .  
والمخرج الشرعي لبيع "الكمبيالات" هو الوكالة بأجل معلوم بحيث يقوم البائع الدائن بتسليم "الكمبيالات" إلى مصرف يلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية في معاملاته ويوكله بتحصيل الدين من المدينين بتاريخ استحقاقه المبين في "الكمبيالات" ، ويتفق معه على أن يدفع له أجرة معينة مقابل استيفاء الدين ، وفي الوقت نفسه يستقرض البائع الدائن من المصرف ما يساوي الدين ويأذن له باستيفاء قيمة القرض مما يقبضه من الدين ، ويتحصل من هذا معاملتان مستقلتان ، الأولى وكالة بأجل معلوم ، والثانية قرض حسن وكلاهما مشروع .
والمخرج الشرعي للمقترضين بالفائدة المدينين للبنوك الربوية من خلال وساطة المصارف الإسلامية يتمثل بما يلي :   
  1. إذا كان المقترض من البنك الربوي لديه عقار أو مصنع أو مركب يمكن استئجاره فيقوم المصرف الإسلامي بشراء ذلك منه بثمن نقدي بحيث يصبح العقار أو المصنع مملوكاً للمصرف ، ثم يقوم المصرف بتأجيره للمقترض إجارة منتهية بالتمليك ، فيبقى منتفعاً بالمبيع بصفته مستأجراً لمدة معينة ثم يؤول المبيع له في نهاية عقد الإجارة . أما المدين للبنك الربوي فيقوم بقبض الثمن من المصرف الإسلامي أو يوكله بدفعه إلى البنك الربوي بحيث لا يصبح مديناً له    
  2. إذا كان المدين للبنك الربوي ليس له ما يمكن بيعه للمصرف الإسلامي وإعادة استئجاره إجارة منتهية بالتمليك ، فقد لجأت بعض هيئات الرقابة الشرعية لبعض المصارف الإسلامية إلى التورق كمخرج للمعاملة ، لضرورة تخليصه من الربا حيث يقوم المصرف الإسلامي بشراء سلعة بثمن نقدي ثم بيعها للمدين مرابحة ويقوم المدين ببيع السلعة وأخذ ثمنها نقداً ، ليدفعه إلى البنك الربوي مقابل الدين الذي في ذمته ، فيصبح بذلك مديناً للمصرف الإسلامي بثمن السلعة التي باعه إياها المصرف مرابحة . 
خامساً : الشرط الجزائي : يعرف الشرط الجزائي عند الفقهاء بأنه اشتراط التعويض المالي على المدين إذا تأخر عن سداد الدين .
أما حكمه قلا يجوز شرعاً اشتراط التعويض المالي نقداً أو عيناً على المدين إذا تأخر عن سداد الدين ، لأن التعويض المأخوذ بسبب التأخر عن سداد الدين صورة من صور ربا الجاهلية المحرم كما تقدم واشتراطه باطل ، لقول رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-:( المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً )  

وقد صدر بشأن الشرط الجزائي قرار رقم  ( 109 ) عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثانية عشرة بالرياض عام 1421 هـ الموافق 2000 م  جاء فيه مايلي :-  
أولاً : الشرط الجزائي في القانون هو إتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شرط له عن الضرر الذي يلحقه إذ لم يُنفذ الطرف الآخر ما إلتزم به , أو تأخر في تنفيذه  
ثانياً : يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي في قراره في السلم رقم 85 (9/2) ونصه : لايجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه , لأنه عبارة عن دين , ولا يجوز إشتراط الزيادة في الديون عند التأخير .  
وقراره في الإستصناع رقم 65 (7/3) ونصه : يجوز أن يتضمن عقد الإستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما إتفق عليه العاقدان مالم تكن هناك ظروف قاهرة .  
وقراره في البيع بالتقسيط رقم 51 (6/2) ونصه : إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط بعد الموعد المحدد فلا يجوز إلزامة أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط لأن ذلك ربا محرم.  
ثالثاً : يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترن بالعقد الأصلي كما يجوز أن يكون في إتفاق لاحق قبل حدوث الضرر .  
رابعاً : يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ماعدا العقود التي يكون الإلتزام الأصلي فيها ديناً فإن هذا من الربا الصريح .  
وبناءً على هذا : يجوز هذا الشرط مثلاً في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول وعقد التوريد بالنسبة للمورد وعقد الإستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفذ ما إلتزم به أو تأخر في تنفيذه .  
ولايجوز مثلاً في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواء كان بسبب الإعسار أو المماطلة , ولايجوز في عقد الإستصناع بالنسبة للمستصنع  إذا تأخر في أداء ماعليه .  
خامساً : الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي وما يحق المضرور من خسارة حقيقية , وما فاته من كسب مؤكد ولا يشمل الضرر الأدبي أوالمعنوي .  
سادساً : لايعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن إرادته , أو أثبت أن من شرط له يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد . سابعاً : يجوز للمحكمة بناء على طلب أحد الطرفين أن تعدل في مقدار التعويض إذا وجدت مبرراً لذلك أو كان مبالغاً فيه.  

وقد أقرت بعض هيئات الرقابة الشرعية للمصارف الإسلامية أن ينص في عقود المداينة مثل المرابحة على التزام المدين الموسر المماطل بالتصدق بملغ زائد عن الدين كوسيلة تدفعه إلى الالتزام بدفع الأقساط المؤجلة في مواعيدها واشترطت الهيئات الشرعية أن تصرف تلك المبالغ في وجوه الخير وأن لا تدخل كإيرادات ربحية للمصارف الإسلامية .  
والمستند الشرعي لذلك هو قاعدة التزام التبرعات عند المالكية ، وقد أخذت بهذا المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين .
كما أقرت المجامع الفقهية وهيئات الرقابة الشرعية للمصارف الإسلامية الشرط الجزائي في عقود المقاولات والاستصناع والتوريد واعتبرت ذلك من قبيل الشروط الصحيحة المقترنة بالعقد لأن محل الشرط في تلك العقود العمل وليس الدّين .  

سادسًاً : السداد المبكر للدين المؤجل : المراد بالسداد المبكر أن يتنازل الدائن عن جزء من الدين المؤجل شريطة أن يدفع المدين الباقي من الدين دفعة واحدة .
والمستند الشرعي لجواز الخصم من الدين بصفة عامة هو حديث كعب بن مالك المتفق على صحته ، فقد روى الإمام البخاري -رحمه الله- في الصحيح عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أنه تقاضى ابن أبي حدرد (عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي) ديناً كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في بيته فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته (أي سترتها) فنادى ( يا كعب ، قال: لبيك يا رسول الله ، قال: ضع من دينك هذا وأومأ إليه أي الشطر (النصف) ، قال : لقد فعلت يا رسول الله ، قال (أي الرسول-صلى الله عليه وسلم- للمدين) : قم فاقضه  ) .
وللسداد المبكر صورتان :
  • الأولى : أن يكون الذي يعرض الخصم من الدّين بشرط الوفاء بالباقي منه في الحال التاجر الدائن . 
  • لثانية : أن يكون الذي يطلب تعجيل دفع الدين المؤجل بشرط الخصم منه هو المدين . 
وكلاهما جائز شرعاً ، وقد صدر بذلك قرار خاص عن المجمع الفقهي الإسلامي جاء فيه : ( الحطيطة من الدين المؤجل لأجل تعجيله سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين جائزة شرعاً لا تدخل في الربا المحرم ) . 
 وبناء عليه فإن تفعيل السداد المبكر في عقود المداينة التي تتعامل بها المصارف الإسلامية يحقق مصلحة مزدوجة للمصارف والمتعاملين معها ، أما بالنسبة للمصارف فيؤدي إلى تسريع تسديد الديون المؤجلة وإتاحة الفرصة لإعادة استثمارها من جديد وهو أمر يشجع على التعامل مع تلك المصارف .
وأما بالنسبة للمتعاملين فتتحقق مصلحتهم بما يخصم لهم من أرباح الدين المتبقي في ذمتهم ويؤدي إلى الإسراع في إبراء الذمة من الدين الذي يحرص عليه المسلم بفطرته .  
أما بخصوص المقدار الذي يخصم من الربح فيجوز أن يكون كامل الربح المستحق عن الأجل المتبقي كما يجوز أن يخصم بعضه ، ويترك لكل مصرف الأخذ بما يراه محققاً لمصلحته.
سابعاً : الحالات التي يصبح فيها الدين المؤجل مستحق الدفع :  
  1.  إذا تم الاتفاق بين المصرف والمدين المتعامل على أنه إذا تأخر في دفع قسط أو عدد معين من الأقساط فيلزم بدفع بقية الأقساط فوراً، فيحق للمصرف مطالبته بدفعها ، ويجري  التعامل بهذا الشرط في معظم المصارف الإسلامية ، والستند الشرعي لجوازه هو قول رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- : ( المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ) . فالأجل حق المشتري المدين ويجوز للبائع أن يشترط عليه التنازل عنه في حالة التأخر عن السداد فإذا قبل بذلك أصبح الشرط صحيحاً .   
  2. إذا مات المدين قبل موعد تسديد الدين المؤجل فيصبح الدين مستحق الدفع لأنه لا يجوز أن يبقى في ذمة الميت لتعذر المطالبة به بعد موته ، ولا يطالب به الورثة لأنه لم يثبت في ذمتهم ابتداء فلم يلتزموا به . 
    ويجري العمل في المصارف الإسلامية على ذلك ، فيصبح الدين المؤجل مستحق الدفع بالموت وحتى لا يتضرر الورثة ببتحمل تبعات الدين والتي من أهمها أن يباع مسكنهم الذي تم شراؤه من خلال المصرف فقد لجأت المصارف الإسلامية إلى معالجة تحصيل الدين في مثل هذه الحالة من خلال الاشتراك الإلزامي للمدينين بصندوق التأمين التعاوني في المصرف أو التأمين على حياة المدينين لدى إحدى شركات التأمين الإسلامية على أساس عقد التأمين التعاوني المقر شرعاً . 
هذا وبالله التوفيق