الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا
وحبيبنا ورسولنا محمد الطاهر الأمين
أولا : مفهوم
المرابحات الدولية
تقوم بعض المصارف
الإسلامية باستثمار فائض السيولة النقدية لديها من خلال المتاجرة في أسواق السلع
الدولية ، وهو ما يعرف بالمرابحات الدولية والتي تتميز بأن حجم المبالغ التي
تستثمر فيها يكون كبيراً ، ومدة الاستثمار تكون قصيرة ، ومخاطر الاستثمار فيها
قليلة ، وتحقق للمصارف عوائد مجزية .
وتعرف المرابحات
الدولية بأنها :
عمليات المرابحة التي
تجريها المصارف الإسلامية في الأسواق العالمية للسلع مثل النحاس والبلاتين
والألمونيوم والبترول ، ويكون فيها المبيع
غائبا عن مجلس العقد موصوفا وصفا نافيا للجهالة، موجودا عند التعاقد في مستودع
السلع المحدد في عقد البيع ويجري توثيق ذلك بشهادات المخزون التي يكون قد أصدرها
ذلك المستودع ، وأكثر معاملات المصارف
الإسلامية في المعادن ، وتجري عمليات شراء السلع عن طريق السماسرة في بورصات السلع
الدولية.
ثانيا : أهم
البورصات العالمية
إن أشهر بورصات السلع
في العالم بورصة لندن للمعادن وبورصة
شيكاغو ، وبورصة نيويورك ، ومعظم المرابحات الدولية التي تجريها المصارف الإسلامية
في بورصة لندن للمعادن .
وتتعامل البورصة مع مستودعات سبق لها قبولها ضمن منظومة
المستودعات المعتمدة من قبل إدارة البورصة بعد التأكد من استيفائها للمعايير التي
تتطلبها البورصة ، وتبلغ هذه المستودعات أكثر من 400 مستودع منتشرة في 32 موقعا في
أمريكا وأوربا والشرق الأوسط ، والشرق الأقصى.
وتصدر هذه المستودعات شهادات
المخزون ،وذلك مباشرة أو عن طريق وكلائها في لندن ،حيث موقع البورصة.
وفي عام 1991م ، طورت بورصة لندن نظام ( SWORD ) الالكتروني
وهذا نظام صمم لكي يتمتع بالحماية التامة فلا تخترق شبكته ، ولا يسمح بالدخول
إليها إلا للمشتركين في النظام.
ان وظيفة
نظام سورد
أن
يكون قاعدة معلومات مركزية ، يتم من
خلالها بصورة الكترونية إصدار شهادات المخزون من قبل أرباب المستودعات ، وإتمام
عقود البيع والشراء وغيرها الكترونيا.
وقد أصبح
بإمكان المستودعات المسجلة لدى بورصة لندن في أي مكان في العالم أن تصدر شهادات
المخزون من خلال الشبكة.
ثالثا
: صور المرابحات الدولية وأحكامها
الشرعية
الصورة الأولى
: أن يشتري
المصرف السلعة من الأسواق الدولية بالنقد ثم يبيعها بالآجل لحساب صناديق الاستثمار
التي يديرها فهو وكيل عن هذه الصناديق.
الصورة الثانية : أن يوكل المصرف
الإسلامي أحد الوسطاء في سوق السلع الدولية بشراء كمية معينة من سلعة ما أو عدد من
السلع المعروضة ، كالبترول والألمنيوم والفحم مثلاً بسعر ذلك اليوم ، فإذا نفذت
العملية أو العمليات التي أمر بها المصرف فإن تلك السلع تسجل باسم المصرف بموجب
قيد محاسبي ، تماماً كشراء الأسهم من أسواق الأوراق المالية ، ثم يقوم المصرف ببيع
تلك السلع في اليوم نفسه أو خلال مدة قصيرة في حالة ارتفاع سعر المواد التي تم
شراؤها ، فيكون ربحه من العملية الفرق بين ثمن البيع وثمن الشراء كالمتاجرة
بالأسهم ، ويتقاضى الوسيط عمولة على ذلك .
الصورة الثالثة : أن يعلم المصرف
الإسلامي أحد الوسطاء بأن لديه مبلغاً معيناً كفائض سيولة يرغب باستثماره بعائد
ربحي ، ويطلب من الوسيط أن يبحث له عن فرصة لاستثماره ، فيقوم الوسيط بإعلام
المصرف بأنه سوف يشتري من المصرف السلعة التي سوف يشتريها المصرف من سوق السلع
الدولية وبعائد ربحي محدد ولمدة معينة ، يتم الاتفاق عليه بينهما
فيوافق المصرف على ذلك ويوكل
الوسيط بشراء السلعة للمصرف ، ثم يقوم الوسيط بشرائها من المصرف بناء على الاتفاق
السابق ، ويقوم بإعادة بيعها في السوق من جديد ليحصل على قيمتها النقدية ، ثم يقوم
بإقراضها بفائدة أكبر من الربح الذي دفعه للمصرف في عملية شرائه للسلعة مرابحة .
الصورة
الرابعة :
أن
يتلقي المصرف طلبا من احد الراغبين
بشراء سلعة من سوق السلع الدولية مرابحة مع وعد بشرائها بعد شراء المصرف لها،
فيقوم المصرف بشراء السلعة المطلوبــــــــــــة من السوق بثمن نقدي ، ثم بعد أن
يستقر عليها ملكة يقوم ببيعها بثمن مؤجـــل لمدة معينة ( 90 يوما ، 6 ستة أشهر
،... أو أكثر أو أقل ) .
الصورة الخامسة
: أن يشتري
المصرف لنفسه ثم يبيع لعميلة بالآجل ثم يوكله ذلك العميل ليبيعها في السوق نقدا.لغايات
الحصول على السيولة النقدية.
الصورة السادسة :
أن يشتري
المصرف سلعة لحساب عميل بعينه وكالة عنه
، ثم يقوم
العميل بتوكيل المصرف ببيع السلعة إلى طرف ثالث بثمن مؤجل ، ثم بعد البيع يقوم
المصرف بإيداع ثمنها في حساب العميل، مع تحديد أجر المصرف بمبلغ مقطوع أو بنسبة من
ثمن شراء السلع.
الصورة السابعة :
أن يشتري
المصرف السلعة بالنقد وكالة عن العميل ثم يبيعها العميل للمصرف بثمن مؤجل، ثم يقوم
المصرف بإعادة بيعها في سوق السلع الدولية لغايات الحصول على السيولة النقدية.
رابعا : الأحكام الشرعية لصور الاستثمار بالمرابحات الدولية
قبل بيان الحكم
الشرعي لصور المرابحة الدولية ، لا بد من التأكيد على أن الأصل في أموال المصارف
الإسلامية أن تستثمر في البلاد الإسلامية ، ويتم تفعيل معظم أو جميع صيغ الاستثمار
المقرة شرعاً من قبل الهيئات الشرعية ، كالمرابحة للآمر بالشراء بأنواعها ،
والإجارة بأنواعها: التشغيلية والمنتهية بالتمليك وإجارة الخدمات ، وكذلك عقد
الاستصناع ، وعقد السلم ، والمشاركة المتناقصة ، والمساهمة في أسهم الشركات ذات
النشاط الاستراتيجي في كل بلد ، والمضاربة، وصناديق الاستثمار ، والاستثمار
المشترك مع المؤسسات المثيلة.
بحيث تحقق المصارف
الإسلامية الرسالة التي أنشئت من أجلها ، وهي المساهمة الفاعلة في الاقتصاد
الإسلامي ، والمشاركة الفاعلة أيضاً في تنمية الاقتصاد المحلي في كل بلد من بلاد
المسلمين ، ليكون لها بصمة واضحة في هذا الشأن ، فإذا فعلت المصارف الإسلامية ذلك
فلن تكون غالباً بحاجة إلى مثل هذا الاستثمار في المرابحات الدولية ، التي ليس لها
أي انعكاس على رسالة المصارف الإسلامية ، والغايات التي أنشئت من أجلها ، وغاية ما
تهدف إليه هذه المرابحات هو تحقيق العائد المالي المضمون الذي يظهر إدارة المصرف
بأنها تجيد الاستثمار ، وما يترتب على ذلك من مكاسب مالية وحوافز للقائمين على
إدارة تلك المصارف .
وبناء عليه فالحكم الشرعي
للمرابحات الدولية يختلف تبعاً للصورة أو الحالة التي تنفذ فيها تلك المرابحات ،
وكما يلي :
حكم الصورتين الأولى
والرابعة : الصورتان
جائزتان شرعا لأن ملكية المصرف
للسلعة تثبت بصورة قيد محاسبي ، تماماً
كما تثبت ملكية الأسهم المشتراة من سوق الأوراق المالية في مركز الإيداع الخاص
بذلك ، ويعتبر القيد المحاسبي من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً ، التي تجعل
السلعة في ضمان المصرف ، وتجيز له بيعها بعد ذلك ، فملكية المصرف للسلعة صحيحة ،
وبيعه لها صحيح .
حكم الصورة الثانية : إن توكيل المصرف لأحد
الوسطاء بشراء سلعة أو سلع من سوق السلع الدولية ، صحيح سواء كان بأجر أو بغير أجر
،ويكون الشراء صحيحا إذا كانت السلعة المشتراة مما يجـــــوز بيعه وشراؤه ، وكان
ثمنها معلوما ومقدارها معلوما، وكانت موجودة عند التعاقد.
وإن توكيل المصرف للوسيط ببيع السلعة التي كان قد اشتراها للمصرف ثم قيام الوسيط ببيعها من جديد بسعر أعلى ليكون
الفرق بين ثمن الشراء وثمن البيع ربحا للمصرف جائز شرعا.
وان قصد المصرف من شراء
السلعة المتاجرة لغايات تحقيق الربح جائز شرعاً ، ما دامت الأركان والشروط الشرعية
متحققة في الشراء والبيع من حيث طرفي العقد والمبيع والثمن ،وليس فيها تورق فقهي
ولا مصرفي ، لأن المصرف لا يقصد الحصول على السيولة النقدية بل يقصد عكس ذلك ، وهو
استثمار السيولة النقدية . فهي متاجرة تحتمل الربح والخسارة كالمتاجرة بأسهم
الشركات المباحة شرعاً .
وهذا يعني أن المصرف إذا
قام بتفعيل صيغ الاستثمار في السوق المحلية ، وبقي لديه فائض سيولة زائد عن حاجة
السوق المحلية فيؤذن له بالمتاجرة في هذه الصورة ، إذا نفذت وفق الإجراءات المبينة أعلاه ، ولا بد من عرض ذلك
على هيئة الرقابة الشرعية للمصرف ، وأخذ موافقتها على ذلك .
حكم الصورة الثالثة : إن توكيل المصرف للوسيط بشراء سلعة من سوق السلع الدولية ووعد
الوسيط للمصرف بشراء السلعة التي اشتراها للمصرف ، بنسبة ربــــــح معينة إلى أجل
معين بعد تملك المصرف للسلعة ، ودخولها في ضمانـــــــــه بموجب القيد المحاسبي ، وبيع المصرف السلعة
للوسيط بناء على وعده بالشراء على أساس المرابحة للآمر بالشراء .
ثم قيام الوسيط بإعادة
بيع السلعة في سوق السلع بقصد الحصول على السيولة النقدية ، هو ما يعرف بالتورق
المصرفي المنظم .
والتورق المصرفي المنظم محرم شرعاً ،
فإذا علم المصرف بأن الوسيط سوف يقوم بإعادة بيع السلعة في سوق السلع بعد شرائها
من المصرف على أساس التورق المصرفي المنظم ، فيكون قد أعان على معصية ، والإعانة
على المعصية معصية ، لقول الله تبارك
وتعالى : ( ولا تعاونوا
على الإثم والعدوان ) ، فتكون إدارة
المصرف آثمة في هذه المعاملة .
فغاية الوسيط من
الموافقة على شراء السلعة من المصرف هو الحصول على مبالغ نقدية يعيد إقراضها
بفائدة أعلى من نسبة المرابحة التي التزم بدفعها للمصرف.
حكم
الصورتين الخامسة والسابعة : هاتان
الصورتان تدخلان في عموم التورق المصرفي المنظم كالصورة الثالثة وتأخذان حكمها وهو
الحرمة.
حكم
الصورة السادسة : هذه الصورة
جائزة شرعا لأنها من صور الوكالة بالاستثمار.
الضوابط
والأحكام الشرعية للمرابحات الدولية :
وفق المعيار الشرعي رقم ( 20 ) بيوع السلع في الأسواق المنظمة الصادر عن
هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
- أن لا تستثمر أموال المصارف الإسلامية في تلك المرابحات إلا بعد تفعيل كافة أو معظم صيغ الاستثمار في البلد الذي يعمل فيه المصرف ، وأن يكون الاستثمار في المرابحات الدولية استثناء من الأصل في حالة وجود فائض سيولة حقيقي يزيد عن الاستثمار في الصيغ الاستثمارية المحلية .
- أن يكون تنفيذ المرابحات الدولية صحيحاً من الناحية الشرعية ، من أول المعاملة إلى آخرها مع مراعاة مآلات المعاملة وما تؤدي إليه من عوائد لجميع الأطراف وخاصة الوسطاء ، حتى لا يكون فيها إعانة على الإقراض بفائدة وهو الربا المحرم .
- أن تكون السلعة مما يجوز بيعه شرعا.
- أن لا تتضمن العقود شرطا يمنع المشتري من تسلم المبيع ويلزمه بالمقاصة بقيمته ، لأن ذلك يتنافي مع مقتضى العقد ويؤدى إلى فساده.
- أن يتم الاتفاق على تحديد مكان التسليم لأنه متطلب لصحة العقد في حالة بيع السلعة الغائبة عن مجلس العقد.
- أن تنص عقود الشراء على حق المشتري في الحصول على شهادات المخزون لأن ذلك يمنع بيع السلعة إلى أكثر من مشتري في نفس الوقت ، وإذا فشل البائع في تسليم الشهادة يفسخ العقد ، ويسترد المشتري نقوده.
- أن يكون المبيع موجودا عند الشراء ومعينا تعيينا يميزه عن غيره ، ويكفي في إثبات تحقق وجود المبيع وتعبئة الوثائق التي تثبت وجود السلع وملكيتها وتميزها عن غيرها بأرقامها أو نحو ذلك.
- أن يكون الثمن حالا ، ويجوز أن يكون مؤجلا دون اشتراط التأجيل في تسليم المبيع الموجود المعين.