حكم اثبات بداية الأشهر القمرية بالحساب الفلكي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الطاهر الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين
إن الغاية الشرعية  من تحري الهلال
إثبات بدايةالأشهر القمرية ؛أما هلال رمضان فللتيقن من بداية الصيام ، وأما هلال شوال فللتيقن من نهاية الصيام لأن التيقن من البداية والنهاية لشهر رمضان يحقق كمال الصيام بتمام الأيام.
واثبات بداية الأشهر القمرية بالحساب الفلكي مسألة اجتهادية عند أهل العلم واشهر الاجتهادات فيها ما يأتي :
الاجتهاد الأول :عدم اثبات بداية الأشهر القمرية بالحساب الفلكي عملا بظاهر الأحاديث الصحيحة التي جعلت الرؤية  للهلال وسيلة لمعرفة حلول الشهر القمري الجديد وحجتهم في ذلك أن الشريعة الاسلامية قد ربطت ميلاد الأهلة وحلول الشهور القمرية بالرؤية  بلسان رسولها الكريم صلى الله عليه وسلم وذلك بقوله في حديثه الثابت عن ابن عمر رضي الله عنهما:(صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له)،وفي رواية عند البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فان غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما)
وتكون البداية الشرعية للشهر القمري بالاعتماد على الرؤية وفق الضوابط الآتية :

اولا: أن الرؤية المعتبرة شرعا قد تكون بالنظر المباشر أو باستخدام المراصد الفلكية ،فكلاهما يحقق المعنى الشرعي للرؤية المعتبرة لإثبات ميلاد الهلال وحلول الشهر.

ثانيا : اذا ثبتت الرؤية الشرعية في أي بلد من بلاد المسلمين وجب على أهل ذلك البلد الالتزام بها عملا باختلاف المطالع ،ويجوز الزام جميع المسلمين في العالم بهذه الرؤية لتوحيد عبادتهم

ثالثا :أن يؤخذ الحساب الفلكي بعين الاعتبار لمعرفة امكانية الرؤية فقط فالشهادة برؤية الهلال يعتد بها اذا كانت الرؤية ممكنة وفق الحساب الفلكي ولا يعتد بها وترد اذا كانت الرؤية مستحيلة تبعا لعمر الهلال ووقت غيابه بالنسبة لغروب الشمس.


الاجتهاد الثاني : اثبات بداية الأشهر القمرية بالحساب الفلكي كوسيلة لمعرفة حلول الشهر القمري الجديد ولو لم تتحقق الرؤية ،لأن علماء الفلك هم أهل الاختصاص في معرفة وقت تخلق الهلال ومواقعه ،وغيابة والتي يعرف بمجموعها ميلاد هلال كل شهر من الشهور القمرية. استدلالا بقول الله تبارك وتعالى : (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ).


وأصحاب هذا الاجتهاد فريقان؛ فمنهم من يكتفي لإثبات بداية الشهر القمري بتخلق الهلال وتأخر مغيبه عن غروب الشمس ولو ببضع دقائق. ومنهم من يشترط بالإضافة الى تخلق الهلال أن يتأخر مغيبه عن غروب الشمس زمنا يمكن فيه الرؤية وهو نصف ساعة تقريبا.


فالمسألة فيها غاية ووسيلة . أما الغاية فهي تحقيق كمال الصيام بالتيقن من بداية شهر رمضان لمعرفة اول الصوم وبداية شهر شوال لمعرفة نهاية الصوم .وأما الوسيلة لتحقيق الغاية فهي الرؤية بالنسبة للاجتهاد الأول ، والحساب الفلكي بالنسبة للاجتهاد الثاني

والذي يبدولي أن كلا الاجتهادين صحيح للاعتبارات الآتية:

1-لأن الاجتهاد الأول أخذ بظاهر النص ، والاجتهاد الثاني أخذ بروح النص وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقر الأخذ بظاهر النص وروح النص لصحة العبادة كما هو معلوم في حديث : (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) فقد أقر عليه الصلاة والسلام من لم يصل عملا بظاهر النص ،وأقر من صلى عملا بروح النص لأنهم اجتهدوا في فهم الغاية من النهي وأنها الاستعجال وليس عدم فعل الصلاة .

فالرؤية وسيلة مشروعة لتحقيق كمال الصيام،  ، والحساب الفلكي وسيلة معتبرة شرعا لتحقيق كمال الصيام،  أيضا عند من يعتد باجتهادهم من أهل العلم. وقد تبين من خلال الوقائع العملية دقة الحساب الفلكي في تحديد مواقيت الصلوات ،والخسوف والكسوف.

 

2- من المقرر عند جماهير أهل العلم ان الحساب الفلكي معتمد في بيان مواقيت الصلوات. وركن الصلاة أعظم شرعا من ركن الصيام .فكما يعتبر الحساب الفلكي في بيان أول وقت الصلاة  يعتمد في بيان أول وقت الصيام.

3-أن معظم المسلمين في العالم يعتمدون الحساب الفلكي لمعرفة بداية كل يوم من أيام رمضان ونهايته ؛ لأنه يقع بين وقت صلاة الفجر ووقت صلاة المغرب . فكما يعتمد الحساب الفلكي في بداية ونهاية جميع أيام الصيام يعتمد في تحديد بداية الشهر.


هذا وبالله التوفيق وهو أعلم. والحمد لله رب العالمين