مكانة الحج في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الطاهر الأمين.

تعريف الحج ومشروعيته

الحج فرض في العمر مرة، حال الاستطاعة، أخذا بقولهتبارك تعالى: ﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [ آل عمران: ٩٧ ].

وقوله سبحانه وتعالى : ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [ البقرة: ١٩٦].

وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال: خطبنا رسول الله ﷺ ،فقال:(( يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا. فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا. فقال النبي ﷺ : لو قلت نعم لوجبت  ولما استطعتم ))(1)

وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن الأقرع بن حابس رضي الله عنه قال: يا رسول الله، الحج كل سنة أو مرة واحدة؟ قال: (( بل مرة واحدة فمن زاد فهو تطوع))(٢).

ويسن لمن اكرمه الله تبارك وتعالى بتيسير أسباب الحج أن يبادربالحج، وأن لا يؤخره، امتثالا لتوجيهات المصطفى ﷺ حيث قال: ((من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الراحلة، وتعرض الحاجة))(٣). ((حجوا قبل أن لا تحجوا))(٤).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) أخرجه الإمام مسلم والنسائي، انظر: نيل الأوطار ٤/ ٢٧٩.

(٢) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود. انظر: التاج الجامع للأصول 2/109 .

(٣) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود. انظر: التاج الجامع للأصول 2/109 .

(٤) أخرجه الحاكم والبيهقي صحيح. انظر: الجامع الصغير للسيوطي 1/147.

تاريخ مشروعية الحج 

فرض الحج في السنة الخامسة من الهجرة، وقيل: في السادسة عند نزول قوله تعالى: ((فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ))سورة آل عمران، آية ﴿٩٧﴾ .

فضائل الحج وفوائده

أولا : تكفير الذنوب والعتق من النار:

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسو ل الله : ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء))(1).

وقال رسول الله ﷺ أيضا: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبت الحديد والذهب والفضة. وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة))(2)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ:(( من حج لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه))(3).

وقال عليه الصلاة والسلام((الحجّاج والعمّار وفد الله، دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم))(1).

والذنوب التي يكفرها الحج هي صغائر الذنوب، . أما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة بإجماع أهل السنة، ولا يسقط بالحج حق  الله تعالى، كدين الصلاة والزكاة، ولا حقوق الآدميين، فلا بد لإبراء الذمة من حقوق الله من قضائها. وأما حقوق العباد فلا بد من ردها إلى  أهلها .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) أخرجه مسلم والنسائي، انظر: التاج الجامع للأصول ٢/ ١٠٧ .

(٢) أخرجه الترمذي بسند صحيح. انظر: التاج الجامع للأصول ٢/ ١٠٧ .

(٣) أخرجه الشيخان. انظر: التاج الجامع للأصول 2/106.

(4) أخرجهالبزار بسند حسن، انظر: صحيح الجامع حديث رقم/ ٣١٧٣.

 

ثانيا: التعارف والتآلف بين المسلمين :فالحج موسم من مواسم الخير يلتقي فيه المسلمون من مختلف الأقاليم الإسلامية، على اختلاف ألوانهم ولغاتهم. فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود، إلا بالتقوى. يتعارفون فيما بينهم، ويتذاكرون في شؤون المسلمين في بلادهم، ويتراحمون ويتعاونون، يشد بعضهم ازر بعض، تجسيدا لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [ الحجرات: ١٣]، وقوله تعالىَ ﴿: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ﴾ [ الحجرات: ١٠].

ولا شك أن اجتماع المسلمين في موسم الحج، يعد مظهرا حقيقيا من مظاهر وحدة المسلمين وقوتهم، ويشعر بقوة الرابطة الأخوية بينهم،  ويساعد على نشر الدعوة الإسلامية في بلادهم.

ثالثا: تذكير المسلم بمشاهد البعث والحساب:فالحج يذكر المسلم بالبعث، لحظة إحرامه وتجرده من ملا بسه . ويذكره بالموقف العظيم يوم الحشر، أثناء وقوفه بعرفة، يبتهل إلى الله بالدعاء يرجو عفوه ورضاه.

رابعا : تقوية الإيمان في القلوب:  من خلال زيادة الحسنات وتكفير السيئات، والإخلاص لله وحده، وتهذيب النفس وتربيتها على الصبر والتحمل، والشكر له سبحانه على تيسير أسباب الحج، من نعم العافية والمال.

خامسا : تهذيب السلوك: فالحج توبة إلى الله، وتجديد للعهد معه سبحانه على الاستقامة والالتزام بأحكام الإسلام، وتقوية للأمل وحسن الظن بالله تبارك وتعالى، وتربيه على الدقة والالتزام، لأن كل نسك فيه له وقته الخاص، وكيفيته المتميزة التي لا يصح إلا بها، كما قال عليه الصلاة

والسلام: ((ولتأخذوا عني مناسككم))(1).

هذا وبالله التوفيق والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) أخرجه الإمام مسلم. انظر: صحيح الجامع حديث رقم/ ٠٦١ ٥ .