حكم المتاجرة في
العملات في الاسواق المالية العالمية
( بيع وشراء العملات في البورصة
العالمية من خلال الانترنت )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الطاهر الأمين.
قبل بيان الحكم الشرعي
لهذه المعاملة ينبغي توضيح طبيعتها لاعطاء تصور شمولي لها يجعل الحكم عليها واقعيا
, لان الحكم على الشيء فرع عن تصوره .
اولا : المقومات
الاساسية للمعاملة ( اركان المعاملة ) :
1_ المضارب : هو الشخص
الذي يدخل سوق العملات العالمي ( البورصة ) للمتاجرة فيها طلبا للربح.
2_ شركة الوساطة : وهي شركة وساطة ماليه مرخصة تكون
مهمتها التوسط بين المضارب والاسواق المالية من جهة , وبين المضارب والبنك الممول
من جهة اخرى , وتوفر للمضارب برامجها , وخدماتها , واسعار العملات العالمية وغير
ذلك من الخدمالت التي تتطلبها طبيعة المعاملة .
3_ السوق : سوق بيع
وشراء العملات العالمي ( بورصة العملات ) .
4_ البنك الممول : وهو البنك الذي يفتح فيه المضارب
حسابا ماليا جاريا ويقوم بتمويل الصفقات التي يعقدها المضارب , ويكون فيه حساب
مالي لشركة الوساطة توضع فيها اموالها , وتتوسط الشركة بينه وبين المضارب في تنفيذ
عمليات الشراء والبيع للعملات بطريقة نظام الهامش .
ثانيا : طبيعة العلاقة
بين اركان المعاملة :
1_ علاقة المضارب
بالبنك الممول : يعتبر البنك جهة ايداع بالنسبة للمضارب حيث يفتح فيه حسابا جاريا
يجعل فيه راس ماله الذي يرغب المتاجرة به , ويعد البنك جهة تمويل بالنسبة للمضارب
لانه يقوم بدفع الجزء غير المغطى من ثمن الصفقة من امواله , لان راس مال المضارب يكون اقل بكثير من اثمان
الصفقات التي يعقدها .
(1)نظام الهامش : نظام يسمح لشخص يملك راس مال قليل
ان يدخل في شراء صفقات من العملات تفوق قيمتها اضعاف راس ماله .
ثالثا : مثال توضيحي :
اذا فرضنا ان احد
المضاربين قام بفتح حساب جاري بقيمة ( 1000 ) الف دولار لدى احد البنوك الممولة ,
ثم قرر شراء صفقة من اليورو قيمتها ( 10,000) عشرة الاف يورو , فانه يقوم من خلال
البرنامج بالطلب من شركة الوساطة بشراء تلك الصفقة .
ونظرا لان رصيد حسابه (
الف دولار ) لا يكفي لتغطية ثمن الصفقة فان شركة الوساطة تطلب من البنك الممول ان
يقوم بتنفيذ العملية وتغطية باقي ثمنها من امواله
بعد ذلك يقوم البنك
بحجز خمسين دولارا من حساب المضارب كتامين للخسائر , ويدفع قيمة الصفقة كاملة وهي
: " ( 950 ) دولارا من اموال المضارب التي بقيت له بعد الحجز , ويدفع باقي
الثمن من اموال البنك .
ثم يبدأ المضارب
بمراقبة اسعار العملات عالميا من خلال برامج شركة الوساطة ومن الممكن ان يكون
التغيير لصالح المضارب اذا ارتفع سعر اليورو , وقد يكون التغيير لغير صالحه اذا
انخفض سعر اليورو بالنسبة للدولار .
وعلى ضوء ذلك يقرر
المضارب اغلاق الصفقة ببيع اليورو الذي قام بشرائه فيعطي الامر عن طريق البرنامج
لشركة الوساطة.
يقوم البنك الممول بعد
بيع صفقة اليورو باعادة المبلغ الحتجز الى حساب المضارب ( 50 ) دولارا , وتكون
بذلك الصفقة قد ربحت او خسرت بحسب سعر اليورو وقت البيع .
فاذا ربحت فان البنك
يقوم باضافة الربح الى حساب المضارب في البنك وهو ( 1000) دولارا , واذا خسرت فان
الخسارة تطرح من رصيد المضارب في البنك .
فلو فرضنا ان الصفقة
ربحت ( 150 ) مائة وخمسين دولارا فيصبح رصيد المضارب ( 1150 ) دولارا , ولو خسرت
الصفقة ( 200 ) مائتي دولارا فانه رصيد المضارب يصبح ( 800 ) ثمانمائة دولارا
وهكذا .
ومقابل ذلك تستوفي شركة
الوساطة عمولتها المالية من المضارب بغض النظر عن كونه قد ربح او خسر ,وياخذ البنك
الممول جزءا من تلك العمولة مقابل تمويله لكامل الثمن , ودفعه للجزء المكشوف من
ثمن الصفقة.
رابعا : الحكم الشرعي
للمعاملة :
ان هذه المعاملة من
القضايا المالية المعاصرة التي حظيت باهتمام كبير من اهل الاختصاص في المعاملات
المالية , فقد تم بحثها ومناقشة التطبيقات العملية لها واستقر الامر على انها غير
جائزة شرعا للاعتبارات التالية :-
1_ لان المضارب يتاجر بمبالغ
مالية اكثر مما يملك , من خلال التسهيلات المالية التي يقدمها البنك الممول والتي
تمكن المضارب من المتاجرة باضعاف المبلغ الذي فتح به الحساب الجاري في البنك , حيث
يقوم البنك بدفع الجزء الاكبر من اثمان
الصفقات التي يشتريها المضارب مقابل نسبة معينة من العمولات التي تاخذها شركة
الوساطة من المضارب على كل صفقة سواء اربحت ام خسرت .
ان تمويل البنك للجزء
الاكبر من اثمان الصفقات التي يشتريها العميل المضارب يسمى في الاصطلاح المصرفي
كشف الحساب , والتكيف الفقهي لكشف الحساب هو قرض من البنك للعميل , وقد اتفق
الفقهاء على ان كل قرض جر نفعا مشروطا فهو ربا فالمعاملة تدخل في عموم ربا القرض
المحرم شرعا
2_ أن من
شروط صحة المتاجرة بالذهب والفضة والنقود
( العملات ) تقابض البدلين. والمستند الشرعي لاشتراط التقابض في المتاجرة بالعملات الحديث الصحيح الذي رواه
عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الذهب
بالذهب والفضة بالفضة ....... مثلا بمثل , سواء بسواء , يدا بيد , فاذا اختلفت هذه
الاصناف فبيعوا كيف شئتم اذا كان يدا بيد " .( رواه مسلم ).
والقبض المعتبر
شرعاً في بورصة العملات هو القبض الحكمي
المتمثل بالقيد المصرفي في حساب العميل إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين
المؤسسة في حال شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل .
ولايجوز
للمشتري أن يبيع العملة المشتراة إلا بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسليم الفعلي .
وواقع الحال أن من يتاجرون
في العملات في بورصة العملات يبيعون ما يشترونه قبل أن يحصل أثر القبض الحكمي المتمثل بالقيد المصرفي بإمكان التسليم الفعلي
. فيكون البيع باطلا .
3_ لان من متطلبات
المعاملة ان يقوم العميل المضارب وشركة الوساطة بفتح حسابات جارية لدى البنك
الممول, ومعلوم ان جميع البنوك الممولة في الاسواق المالية العالمية هي بنوك ربوية
. ويترتب على فتح تلك الحسابات تدفق الاف بل ملايين الدولارات الى تلك البنوك ولا
شك ان تلك الاموال تزيد من ملاءتها المالية , ويحصل لها بذلك عون على ما تمارسة من
معاملات ربوية اقتراضا , وايداعا , ومن المقرر شرعا ان الاعانة على المعصية معصية
عملا بقول الله تبارك وتعالى : "ولا تعاونوا على الاثم والعدوان " ( سورة المائدة , الايه
/2 ) ".
هذا وبالله التوفيق
والحمد لله رب العالمين