حكم السداد المبكر للدين المؤجل

 

حكم السداد المبكر للدين المؤجل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الطاهر الأمين.

   المراد بمعاملة السداد المبكر:أن يتنازل الدائن عن جزء من الدين المؤجل شريطة أن يدفع المدين الباقي من الدين دفعة واحدة .

والصورة التطبيقية لهذه المعاملة :أن يكون لشخص على آخر مبلغ معين، كثمن مؤجل لأثاث بيته ، وبعد أن قام بتسديد جزء منه ، تحسنت أحواله المادية وأصبح بمقدوره دفع كامل المبلغ المتبقي دفعة واحدة ، عرض على الدائن أن يدفع له كامل المبلغ المتبقي بشرط أن يخصم له منه مبلغا معينا ، فقبل الدائن بذلك ،فقام المدين بدفع باقي الين بعد الخصم وبذلك برئت ذمته من كامل الدين

   وقد يكون الطرف الذي يعرض الخصم من الدين بشرط دفعه مقدماً التاجر الدائن ، ففي المثال أعلاه قد يحتاج التاجر إلى سيولة نقدية ، فيعرض على المدينين أن يدفعوا ما في ذممهم من الدين المؤجل دفعة واحدة مقدماً ، ويشترط على نفسه أن يخصم لهم شيئاً معيناً منه . ويتم الاتفاق على ذلك بين الفريقين الدائن والمدين كما في المثال أعلاه ويبرئ التاجر الدائن من كامل الدين .

 أصل الخصم من الدَين بصفة عامة في السنة النبوية المطهرة :

   إن المستند الشرعي لجواز الخصم من الدين بصفة عامة هو حديث كعب بن مالك المتفق على صحته ، عند الإمامين الجليلين البخاري ومسلم عليهما رحمة الله تبارك وتعالى .

   فقد روى الإمام البخاري - رحمه الله- في الصحيح عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أنه تقاضى ابن أبي حدرد (عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي) ديناً كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في بيته فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته (أي سترتها) فنادى ( يا كعب ، قال: لبيك يا رسول الله ، قال: ضع من دينك هذا وأومأ إليه أي الشطر (النصف) ، قال : لقد فعلت يا رسول الله ، قال (أي الرسول-صلى الله عليه وسلم- للمدين) : قم فاقضه  ) . ورواه أيضاً الإمام مسلم في كتاب البيوع ، باب الوضع من الدين .

 

فبينت السنة النبوية الشريفة جواز الخصم من الدين بموافقة الدائن بصرف النظر عن سبب الدين والمقدار المخصوم منه .

   وللإبراء من الدين بشرط الخصم منه أكثر من صورة ، ولكل منها حكمها الشرعي الخاص وعلى النحو التالي :

 الصورة الأولى :أن يكون الطرف الذي يعرض الخصم من الدين بشرط الوفاء بالباقي منه في الحال هو الدائن ، فهذه الصورة جائزة عند جمهور العلماء ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب - رضي الله عنه -: ( ضع الشطر من دينك ) كما تقدم .

   ولما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سئل عن الرجل يكون له الحق على رجل فيقول :عجل لي وأضع عنك ، فقال - رضي الله عنه - : لا بأس بذلك . وروي عنه أيضاً :( إنما الربا أخر لي وأنا أزيدك وليس عجل لي وأضع عنك ) .

ومثل ذلك روي عن الشعبي وغيره ، ولأن المبرئ ( الدائن ) متطوع بإسقاط بعض حقه بطيب نفس منه .

الصورة الثانية :أن يكون الطرف الذي يطلب تعجيل دفع الدين المؤجل بشرط الخصم منه هو المدين ، على أن يكون ما يدفع للدائن عرضاً ( كسيارة أو بيت أو أثاث أو نحو ذلك ) وليس نقداً ، فيجوز ذلك أيضاً عند جمهور العلماء وإن كانت قيمة العرض أقل من قيمة الدين.

الصورة الثالثة : أن يكون الطرف الذي يطلب تعجيل دفع الدين المؤجل بشرط الخصم منه هو المدين ، على أن يكون ما يدفع نقداً وليس عرضاً كما في الصورة الثانية أعلاه

فهذه المعاملة جائزة ولا بأس بها وينسب هذا الرأي إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - ، والنخعي وزفر وأبي ثور .

  ويستدل على ذلك بما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر بإخراج بني النضير، جاءه ناس منهم فقالوا : يا نبي الله إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل ، فقال - صلى الله عليه وسلم - ( ضعوا وتعجلوا ) .

 

 

 وقد صدر بذلك قرار خاص عن المجمع الفقهي الإسلامي جاء فيه : ( الحطيطة من الدين المؤجل لأجل تعجيله سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين جائزة شرعاً لا تدخل في الربا المحرم )

  وبناء عليه فإن تفعيل السداد المبكر في عقود المداينة التي تتعامل بها المصارف الإسلامية يحقق مصلحة مزدوجة للمصارف والمتعاملين معها ، أما بالنسبة للمصارف فيؤدي إلى تسريع تسديد الديون المؤجلة وإتاحة الفرصة لإعادة استثمارها من جديد وهو أمر يشجع على التعامل مع تلك المصارف .

وأما بالنسبة للمتعاملين فتتحقق مصلحتهم بما يخصم لهم من أرباح الدين المتبقي ويؤدي إلى الإسراع في إبراء الذمة من الدين الذي يحرص عليه المسلم بفطرته .

أما بخصوص المقدار الذي يخصم من الربح فيجوز أن يكون كامل الربح المستحق عن الأجل المتبقي كما يجوز أن يخصم بعضه ، ويترك لكل مصرف الأخذ بما يراه محققاً لمصلحته.

هذا وبالله التوفيق والحمد لله رب العالمين