كيفية الوضوء
بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله رب
العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد المرسلين سيدنا ونبينا محمد الطاهر
الأمين وعلى آله أجمعين
يسن أن يسمي الله تعالى على الوضوء
، وأصح ما في التسمية حديث أنس رضي الله عنه: (( أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع
يده في الإناء الذي فيه الماء ثم قال : (( توضئوا باسم الله قال : فرأيت الماء
ينبع من بين أصابعه والقوم يتوضأن حتى توضئوا من عند آخرهم وكانوا نحو سبعين رجلاً
)) باسناده جيد .
وأكمل التسمية أن يقول : بسم الله
الرحمن الرحيم ، فان قال باسم الله فقط حصل فضيلة التسمية ، فان نسى التسمية في أولها
وذكر في أثنائها أتى بها ، ولو لم يسم حتى فرغ من الطهارة لم يسم لفوات محلها .
ثم يغسل كفيه ثلاثا لأن عثمان
وعليا رضي الله عنهما وصفا وضوء رسول الله صلى الله
عليه وسلم : (( فغسلا اليد ثلاثا )). حديث عثمان رواه البخاري ومسلم وحديث علي
رواه أبو داود والنسائي وغيرهما باسناد صحيح .
ثم يتمضمض ويستنشق وهما سنتان؛والمضمضة
أن يجعل الماء في فيه ويديره فيه ثم يمجه ، والأستنشاق أن يجعل الماء في أنفه
ويمده بنفسه الى خياشيمه ثم يستنثر لما روى عمرو بن عبسة رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : (( مامنكم من أحد يقرب وضوءه ثم يتمضمض ثم يستنشق
ويستنثر الا جرت خطايا فيه وخياشيمه مع الماء )).
ثم يغسل وجهه لقوله تعالى : (
فاغسلوا وجوهكم ) والوجه مابين منابت شعر الرأس الى الذقن ومنتهى اللحين طولا ،
ومن الأذن الى الأذن عرضاً والإعتبار بالمنابت المعتادة لا بمن تصلع الشعر عن
ناصيته ولا بمن نزل الى جبهته.
ولايدخل وتدا الأذن في الوجه ،والبياض
الذي بين الأذن والعذار من الوجه وهو داخل في الحد وأما اذا تصلع الشعر عن ناصيته
اي زال عن مقدم رأسه فلا يجب غسل ذلك الموضع لأنه من الرأس .
فان كان ملتحيا وكانت لحيته خفيفة
لاتستر البشرة وجب غسل الشعر والبشرة
للآية ، وان كانت كثيفة تستر البشرة وجب افاضة الماء على الشعر ، لأن المواجهة تقع
به ولا يجب غسل ماتحته لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه
وسلم : (( توضأ فغرف غرفة وغسل بها وجهه ))
رواه البخاري
وبغرفة واحدة لايصل الماء الى تحت الشعر مع
كثافة اللحية ولأنه باطن دونه حائل معتاد فهو كداخل الفم والأنف .
والمستحب أن يخلل لحيتهلأن النبي
صلى الله عليه وسلم : (( كان يخلل لحيته ))
رواه الترمذي من رواية عثمان بن
عفان رضي الله عنه وقال : حسن صحيح
فان كان بعضها خفيفاوبعضها كثيفا غسل ماتحت
الخفيف وأفاض الماء على الكثيف .ولايجب امرار اليد على الوجه ولاغيره من الإعضاء
لا في الوضوء ولا في الغسل ولكن يستحب .
ثم يغسل يديه لقوله تعالى : (( وأيديكم الى المرافق )) ويسن
أن يبدأ باليمنى ثم باليسرى ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : (( اذا توضأتم فابدأوا بميامنكم )).رواه أبو داود والترمذي
وغيرهمابإسناد حسن
ويجب إدخال المرفقين في الغسل .ويستدل
على ذلكبحديث أبي هريرة رضي الله عنه (( انه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضدين
وغسل رجليه حتى أشرع في الساقين ، ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يتوضأ )) رواه مسلم
وإن كان أقطع اليد ولم يبق من محل
الفرض شئ فلا فرض عليه ، والمستحب أن يمس ما بقي من اليد ماء حتى لايخلو العضو من
الطهارة .
واذا بقي من محل الفرض شئ فيجب
غسله لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( واذا امرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم ))
رواه البخاري ومسلم .
واذا لم يقدر على الوضوء لزمه
تحصيل من يوضؤه إما متبرعاً وإما باجره المثل اذا وجدها ، صلى على حسب حالة وأعاد
، كما يصلي ويعيد من لم يجد الماء ولا التراب.
واذا كان في أصبعه خاتم فلم يصل
الماء الى ماتحته وجب ايصال الماء الى ماتحته بتحريكه أو خلعه وان تحقق وصوله
استحب تحريكه لما روي عن علي وابن عمر رضي الله عنهم أنهما كانا اذا توضآ حركا
الخاتم .
ويستحب دلك اليدين ويستحب تخليل
أصابعهما ،ولو كان على يده شعر كثيف لزمه غسله مع البشرة تحته لندوره .
ثم يمسح برأسه لقوله تعالى : (
وأمسحوا برءوسكم ) والرأس ما اشتمل عليه منابت الشعر المعتاد والنزعتان منه ،لأنه
في منبت الناصية والصدغ من الرأس ، لأنه من منابت شعره .
والواجب منه أن يمسح مايقع عليه
اسم المسح وان قل .لأن مسح الرأس لايتقدر وجوبه بشئ ، بل يكفي فيه مايمكن، ولأن
المسح يقع على القليل والكثير ، وثبت في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم مسح
بناصيته ، فهذا يمنع وجوب الإستيعاب ويمنع التقدير بالربع والثلث والنصف فان
الناصية دون الربع فتعين ان الواجب ما يقع عليه الأسمفدل على جواز مطلق المسح .
والسنة أن يمسح جميع الرأس لما روى
عبد الله بن زيد رضي الله عنه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فمسح رأسه
بيديه فأقبل بهما وأدبر ، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما الى قفاه ). رواه البخاري
ومسلم .
فان كان على الرأس شعر فمسح الشعر
أجزأه وان مسح البشرة أجزاه لأن الجميع يسمى رأساً .
واذا كان عليه عمامة ولم يرد نزعها
لعذر ولغير عذر مسح الناصية كلها ويستحب أن يتم المسح على العمامة سواء لبسها على
طهارة أو حدث ، ولو كان على رأسه قلنسوة ولم يرد نزعها فهي كالعمامة فيمسح بناصية
، ويستحب أن يتم المسح عليها ، وهكذا حكم ما على رأس المرأة ، وأما اذا اقتصر على
مسح العمامة ولم يمسح شيئاً من رأسه فلا يجزيه .
والمرأة كالرجل في صفة مسح الرأس .فتدخل
يدها تحت خمارها حتى يقع المسح على الشعر .
ولاتتعين اليد لمسح الرأس فله
المسح بأصابعه وبأصبع واحدة أو يمسحه له غيره .وإن غسل رأسه أجزأه لأنه فوق المسح
.
ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما
لما روى المقدام بن معد يكرب (( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه
ظاهرهما وباطنهما وأدخل أصبعيه في جحري أذنيه )) رواه أبو داود والنسائي والبيهقي
وغيرهم بمعناه بأسانيد حسنة
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله
عليه وسلم : (( مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما )) رواه الترمذي :وقال حديث حسن
صحيح .
ويكون ذلك بماء جديد غيرالذي مسح
به الرأس لما روى : (( ان النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه وأمسك مسبحتيه بأذنيه
)) ولأنه عضو يتميز عن الرأس في الأسم والخلقة فلا يتبعه في الطهارة كسائر الأعضاء
.
فالسنة أن يمسح ظاهرهما وباطنهما ،ومسح
الأذنين بعد مسح الرأس فلو قدمه عليه لايحصل له مسح الأذنين لأنه فعله قبل وقته .ويشترط
لمسح الأذنين ماء غير الماء الذي مسح به الرأس.
ثم يغسل رجليه وهو فرض .اجمع
المسلمون على وجوبهولم يخالف في حكمه من يعتد به .ويستدل على ذلك بالأحاديث
الصحيحة المستفيضة منها :
ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده : (( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كيف الطهور ؟
فدعا بماء في اناء فغسل كفيه ثلاثا )) وذكر الحديث الى أن قال : (( ثم غسل رجليه
ثلاثاً ثلاثا ثم قال : هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم )) رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة .
وعن عمرو بن عبسة في حديثة الطويل
المشهور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( مامنكم من أحد يقرب وضوءه
فيمضمض الا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه مع الماء ، الى أن قال : ثم يمسح رأسه
الا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه الى الكعبين الا خرت
خطايا رجليه من أنامله مع الماء )) رواه مسلم .
ويجب ادخال الكعبين في الغسل لقوله
تعالى : ( وأرجلكم الى الكعبين ) قال أهل التفسير : مع الكعبين ، والكعبان هما
العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم.
ويسنأن يبدأ باليمنى قبل اليسرى ،
فان كانت أصابعه منفرجة فالمستحب أن يخلل بينها لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن
صبرة : (( وخلل الأصابع )) وان كانت ملتفة لايصل الماء اليها الا بالتخليل وجب
التخليل لقوله صلى الله عليه وسلم : (( خللوا بين أصابعكم لايخلل الله بينها
بالنار )) .
والمستحب أن يغسل فوق المرفقين
وفوق الكعبين لقوله صلى الله عليه وسلم : (( تأتي أمتي يوم القيامة غرا محجلين من
آثار الوضوء ، فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل ))
رواه البخاري ومسلم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: (( أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من أسباغ الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله
)) رواه مسلم
وقد أجمع اهل العلم على أن الواجب
في الوضوء مرة واحدة ويسن أن يتوضأ ثلاثا ثلاثا ، ويستدل بما رواه ابن عباس رضي الله عنهماقال :((توضأ النبي صلى
الله عليه وسلم مرة مرة )) رواه البخاري .
وحديث عبدالله بن زيد (( أن النبي
صلى الله عليه وسلم غسل بعض أعضائه ثلاثا وبعضهما مرتين )) رواه البخاري ومسلم وفي
رواية للبخاري عن عبدالله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين ))
.
ويجب أن يرتب فرائض الوضوء فيغسل
وجهه ثم يديه ثم يمسح برأسه ثم يغسل رجليه
.والدليل عليه قوله تعالى ( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق ...) الآية
ويسن الترتيب في الأعضاء المسنوية وهي غسل
الكفين ثم المضمضة ثم الإستنشاق ، فلو قدم
المضمضة على الكفين أو الإستنشاق على المضمضة حصل على ذلك .
والمستحب لمن فرغ من الوضوء أن
يقول : أشهد أن لا اله الا الله وحده لاشريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، لما روى
عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من توضأ فأحسن وضوءه ثم
قال : أشهد أن لااله الا الله وحده لاشريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، صادقا من
قلبه فتح الله له ثمانية أبواب من الجنة يدخلها من أي باب شاء )) رواه مسلم .
ويستحب أيضاً أن يقول سبحانك اللهم
وبحمدك أشهد ان لااله الا أنت أستغفرك وأتوب اليك ، لما روى أبو سعيد الخدري رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من توضأ وقال : سبحانك اللهم
وبحمدك أشهد أن لا اله الا أنت أستغفرك وأتوب اليك ، كتب في رق ثم طبع بطابع فلم
يفتح الى يوم القيامة )).
واذا كان على بعض أعضائه شمع أو
عجين أو حناء وأشباه ذلك فمنع وصول الماء الى شئ من العضو لم تصح طهارته سواء أكثر
ذلك أم قل ، ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه دون عينه أو أثر دهن مائع
بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها
صحت طهارته .
ولو كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول
الماء الى البشرة لم يصح وضوءه .
واذا شرع في الوضوء فشك في اثنائه
في غسل بعض الأعضاء بني على اليقين فيعيد غسله ، ولو شك بعد الفراغ من الطهارة في
غسل بعض الأعضاء لايلزمه شئ كما لو شك في ترك ركن من الصلاة بعد السلام .
ويستحب لمن توضأ أن يصلي عقبة
ركعتين في أي وقت كان وفي أوقات النهي عن النوافل التي لاسبب لها لأن هذا سبب وهو
الوضوء .
ويستحب تجديد الوضوء وهو أن يكون
على وضوء ثم يتوضأ من غير أن يحدث .
واذا توضأ الصحيح وهو من ليس به
حدث دائم فله أن يصلي بالوضوء الواحد ماشاء من الفرائض والنوافل مالم يحدث .
ودليله حديث بريدة رضي الله عنه ((
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات بوضوء واحد يوم فتح مكة ومسح على خفية
وقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لقد صنعت اليوم شيئاً لم تكن تصنعه فقال :
عمداً صنعته يا عمر )) رواه مسلم .
أما المستحاضة ومن به سلس البول
والمذي وغيرهما ممن به حدث دائم فاذا توضأ أحدهم استباح فريضة واحدة وماشاء من
النوافل ، ولايباح له غير فريضة .
.
هذا وبالله
التوفيق والحمد لله رب العالمين