غايات العبادات
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على
سيدنا محمد الطاهر الأمين.
للعبادات في الإسلام غايات عظيمة أهمها:
أولا: إدامة وتقوية صلة العبد بخالقه سبحانه
وتعالى: إن ممارسة المسلم للعبادات
وبشكل مستمر تجعله دائم الصلة بخالقه فهو في صلاته يناجي ربه ويستشعر عظمته، وإذا
قرأ القران كأن الله يناجيه لأنه يردد كلماته سبحانه بلسانه ويخشع لها قلبه،
وعندما يصوم يقصد بصومه مرضاة الله سبحانه وتعالى ويقدم على صومه ويحافظ عليه مستشعرا
رقابة الله له. وهكذا في ممارساته لبقية اقواله وأفعاله التي يقصد بها وجه الله
الكريم .
ومن الشواهد القوية على ذلك أن سلفنا الصالح كانت
عقيدتهم قويه بسبب حرصهم على عباداتهم، لأن العبادات تنمي العقيدة في النفوسوتثبتها، والعكس صحيح
بالنسبة لكثير من الناس في أيامنا فقد ضعف الإيمان في قلوبهم وذبلت العقيدة في
نفوسهم بسبب تقصيرهم في عباداتهم.
ثانيا: تربية المسلم على
طاعة الله تعالى والالتزام بمنهجه: إن المسلم يرتبط بخالقه بعقد العبودية له سبحانه وتعالى
ومقتضى هذا العقد أن يأمر الله تعالى وينهى كما يشاء وأن يمتثل العبد ذلك بالطاعة
والرضا.
فالمسلم في ممارساته
للعبادات ينفذ أمر الله تعالى سواء أدرك حكمتها أم لم يدركها فهي تربي فيه صفة
الطاعة المطلقة لخالقه، فالعبادات ليس لها عله ترتبط بها وجودا وعدماً.
فالمسلم يؤدي صلاته
بأوقاتها وشروطها وأركانها دون أن يسأل عن علتها .
وهو في صومه وحجه وزكاته
كذلك. رائده في ذلك أن ينفذ أمر الله فحسب، وهي العبادة الحقة التي تقوم على أساس
الخضوع والانقياد لأوامر الله تعالى مقرونة بمحبته. وبالعبادة يتميز المؤمن من
المنافق، والطائع من العاصي. فيثاب المؤمن على طاعته ويعاقب العاصي والمنافق على
معصيته ونفاقه .
قال تعالى: ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ
كَالْفُجَّارِ﴾ [ص: الآية ٢٨].
ثالثا: تهذيب السلوك
والتربية على محاسن الأخلاق: إن أداء المسلم لعباداته يربي في نفسه جملة من القيم
والمثل العليا وفي طليعتها الإخلاص لله تعالى والإحساس الدائم برقابته سبحانه
وتعالى له .
ولا شك أن سيطرة حس
الاخلاص والرقابة الربانية على قلب المسلم تجعله مستقيما في سلوكه متخلقا بمحاسن
الأخلاق. فلا يصدر عنه إلا كل حسن وجميل فتراه مخلصا في عمله متقنا لواجبه، حسن
السيرة والسلوك مع الناس لا يذكر إلا بخير. يمارس جميع أعماله بوازع ذاتي
أساسهالشعور الدائم بمراقبة الله تعالى له. وخير شاهد على ذلك قوله تبارك وتعالى:
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ
إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [
العنكبوت: ٤٥].
﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
[ البقرة: ١٨٣].
وقوله ﷺ : (( مثل المؤمن
الذي يقرأ القران مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب))(1). فالصلاة تهذب
الجوارح، والصيام يورث التقوى ،وقراءة القرآن تكسب المسلم حسن المظهر والجوهر.
رابعا : ترسيخ مبادئ
الإسلام : إن
أداء العبادات يرسخفي نفس المؤمن المبادئ التي دعا إليها الإسلام كالتوحيد الخالص،
والمساواة بين الساس والتعاون بينهم، واتحاد المسلمين في العالم.
أما التوحيد والإخلاص لله
تعالى فيتحقق في نفس المسلم كثمرة من ثمرات العبادات لأن العبادات صحة وقبولا تقوم
على ذلك فلا تقبل العبادة ولا تسمى عبادة إلا إذا كانت خالصة لوجه الله تعالى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
متفق عليه. انظر: صحيح
الجامع الصغير، حديث/ ٥٨٤٠ .
وأما المساواة فإن
الممارسات العملية للعبادات تجذر ذلك في حياة
المسلم فالصلاة والصيام والحج قدر مشترك بين الجميع وليس لأحد خصوصية في
الأداء في غير حالة العذر .
ففي الصلاة يقف الجميع
بين يدي الله رب العالمين بصرف النظر عن مكانتهم في المجتمع، والصيام فرض على
الجميع، والمؤدون للحج سواء في لباسهم وتلبيتهم. ومثل ذلك في الطهارة فأحكامها
شاملة لجميع المكلفين لا فرق بين رئيس ومرؤوس.
وإن أداء العبادات على
هذا النحو يرسخ في نفس المسلم مبدأ المساواة بين الناس تحقيقا لقوله تعالى: ﴿ يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: ١٣].
والعبادات مظهر من مظاهر
وحدة المسلمين في العالم فالمسلم في أدائه لعباداته يعلم أنه يشاركه فيهاآخرون وكل من يشاركونه فيها
أخوة له في العقيدة . فالعبادات ترسخ فيه حس الارتباط بجميع المسلمين في العالم
فجميع المصلين والصائمين والحجاج هم إخوانه وأخواته بصرف النظر عن ألوانهم
وبلادهم. وهو مصداق قوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً
وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [ الأنبياء: ٩٢].
خامسا: تحقيق الاستقرار
النفسي لدى المسلم: إن التكوين الرباني للإنسان يتألف من عنصرين أحدهما
مادي والآخر معنوي، فهو جسم وروح.ولكل منهما غذاؤه الخاص، فالطعام غذاء الجسم،
والإيمان غذاء الروح.
وحتى يتحقق للإنسان
الاستقرار النفسي لا بد أن يأخذ كل من شقيه غذاءه الخاص به ولا يغني أحد الغذائين
عن الآخر . فنقص غذاء الجسم يجعل الإنسان
يحس بالتعب والإعياء وكذلك نقص أو ضعف الايمان يؤدي الى الاضطراب وعدم الاستقرار
والشعور بالهم والقلق، وحتى ولو كان المسلم منعما بالنواحي المادية كالطعام
والشراب وأسباب الرفاه.
فالعبادات تزيد الإيمان في القلب وتجعل صاحبها
يشعر بالانشراح والاستقرار ومصداقذلك في كتاب الله العزيز: ﴿ إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا
تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [
الأنفال: ٢ ].
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا
وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ ﴾ [
الرعد: ٢٨ ].
هذا وبالله التوفيق
والحمد لله ربالعالمين