سنن الصلاة وآدابها

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الطاهر الأمين.

للصلاة سنن وآداب ينبغي أن يراعيها المصلي في صلاته لأنها تحقق كمال الصلاة، وتجعلها أرجى للقبول عند الله. ولا شك أن مراعاة تلك السنن والآداب من تعظيم شعائر الله. قال الله تبارك وتعالى: ﴿ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [ الحج: ٣٢ ]. والصلاة المؤداة بكمال وتمام تترك أثرا بالغا في نفس صاحبها بعكس الصلاة التي يمارسها صاحبها عادة أو لا يراعي في أدائها الكمال، فإن أثرها يكون ضعيفا في نفس صاحبها.

فالمصلون ليسوا سواء من حيث الالتزام والسلوك ، مع أنهم جميعاً  يصلون. فالتباين في السلوك والالتزام بأحكام الشريعة عند المصلين سببه التباين في تأثرهم في الصلاة وتأثير الصلاة بهم، فكلما حافظ المصلي على كمال صلاته ازداد تأثيرها فيه وتأثره بها والعكس صحيح . وأهم سنن الصلاة وآدابها ما يأتي :

أولا : أن يتم المصلي وضوءها وركوعها وسجودها.

قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [ المعارج: ٣٤ ].

فقد امتدح الله المؤمنين الذين يحافظون على صلاتهم، وأهم صور المحافظة عليها إسباغ الوضوء ، وأداؤها  بكامل أركانها وسننها وآدابها.

 قال رسول الله ﷺ :(لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم صلبه في الركوع والسجود )(1).

      (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها )(2).

و نهى رسول الله ﷺ عن نقرة الغراب (3).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) أخرجه الترمذي وأبو داود بسند صحيح، انظر: صحيح الجامع الصغير ، حديث رقم/ ٧٢٢٤ .

(٢) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي بسند حسن، انظر: صحيح الجامع الصغير، حديث رقم/ ٦٩٨٢ .

(٣) أخرجه الإمام أحمد والحاكم بسند صحيح، انظر : صحيح الجامع الصغير ، حديث رقم/٩٨٦ .

 

ثانيا: أن يؤديها المصلي في أول وقتها: فلا يؤجلها ، ولا يتشاغل عنها  بشاغل يؤدي إلى تأخيرها أو فواتها. وقد امتدح الله تبارك وتعالى المؤمنين الذين يؤدون صلاتهم  في أوقاتها ولا يتشاغلون عنها بأي شاغل، فقال:﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [ المعارج: ٣٤ ]،

﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ [ المعارج: ٢٣ ].

وسئل النبي الكريم ﷺ : أي الأعمال أفضل ؟ فقال: (( الصلاة لوقتها ))(١)

وكان من هديه ﷺ المحافظة على الصلاة فعن عائشة رضي الله عنها: (( أنه كان مع أهله يحدثهم ويحدثونه فإذا حضرت الصلاة خرج لأدائها كأنه لا يعرفهم و لا يعرفونه )).

وهكذا كان الصحابة الأجلاء رضوان الله عليهم، فقد وصفهم الله تبارك وتعالى بقوله:

﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ [ النور: ٣٦-٣٧ ]. قال المفسرون: نزلت هذه الآية في أهل الأسواق من الصحابة كانوا إذا سمعوا النداء تركوا كل شغل وبادروا لطاعة الله بإقامة الصلاة، لا تشغلهم  الدنيا عن إقامتها.

وقد حذر الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن تشغلهم أموالهم وأولادهم عن الصلاة بقوله:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَفَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [ المنافقون: ٩ ]. والمراد بذكر الله في الآية الصلوات الخمس كما قال بعض المفسرين

ثالثا : الخشوع في الصلاة

ويراد به حضور القلب واستحضار عظمة الله والشعور برقابته سبحانه. فالخشوع بالنسبة للصلاة كالروح من الجسد . فالصلاة بخشوع كالجسد الحي الذي ينبض بالحياة، والصلاة بغير خشوع كالجسد الميت الذى لا روح فيه ، وأجر المصلي وثوابه من صلاته بقدر خشوعه. قال الله تبارك وتعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ

[ البقرة: ٢٣٨ ].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) أخرجه البخاري، انظر: مختصر صحيح البخاري حديث رقم/ ٣٢٩.

 

وقد امتدح الله تبارك وتعالى المؤمنين الخاشعين في صلاتهم بقوله:﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ[المؤمنون:1-2].

قال إبن عباس في تفسير هذه الآية أي هم في صلاتهم ساكنون متذللون لجلال الله وعظمته لاستيلاء الهيبة على قلوبهم.

وقال رسول الله ﷺ (( ما من امرىء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله))(1) .وأهم الأسباب التي تؤدي إلى الخشوع في الصلاة :

أ- أن يدخل المصلي في صلاته مستحضرا لعظمة الله تبارك وتعالى وأنه يناجيه فلا يجوز له أن يشغل قلبه بشيء، لأن ذلك يعني إعراضه عن خالقه وإساءة الأدب معه. فإذا كان الذي يقف بين يدي ملك أو سلطان من البشر يستجمع نفسه ويراعي في الحديث معه ألوان الأدب جميعا فجدير بمن يناجي ربه أن يكون مؤدبا معه. ومن الشواهد الحيه على ذلك ما روي عن علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين رضي الله عنهما أنهما كانا يتغير وجه أحدهما إذا حضر وقت الصلاة وتوضأ لها. وعندما سئل علي بن الحسين عن ذلك قال: (أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (( ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه)) .

ب - أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم في مبدأ كل ركعة لأنه يجري من ابن ادم مجرى الدم، ويذكره في صلاته بدنياه أن أذكر كذا وكذا كما بين ذلك النبي الكريم بقوله وفعله.فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم يقول: الله أكبر كبيرا، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه ))(1).

وجاء رجل إلى النبي ته فقال: يارسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي. فقال رسول الله ﷺ: ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا. فقال فعلت ذلك فأذهبه الله عني))(2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه الإمام مسلم، انظر: صحيح الجامع الصغير ، حديث رقم/5686.

(2) أخرجه الترمذي وأبو داود بسند صحيح، انظر: صحيح الجامع الصغير، حديث / ٤٦٦٧.

ج - أن يتأنى في قراءته للفاتحة وما يقرأ من القران بعدها فيقف على كل آية ويقطع قراءته تاسيا برسول الله ﷺ حيث كان يقطع قراءته ويقف على رؤوس الآي (1)، وأن يتدبر معاني الآيات التي يقرأها، وأن يحسن صوته بالقراءة. فكل ذلك يترك أثرا في القلب ويؤدي إلى سكينته وطمأنينته ،ومصداق ذلك في قوله تبارك وتعالى :

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [ الرعد: ٢٨ ]،

﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ ص : ٢٩ ].

د- أن لا يعبث في صلاته ولا ينظر بعينه هنا وهناك. أما العبث فدليل عدم حضور القلب فمن حضر قلبه سكنت جوارحه، وأما النظر فهو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة المصلي، فيستحسن النظر إلى مكان السجود .

أما إغماض العينين في الصلاة فالحكم فيه يرجع إلى حال المصلي، فإذا كان المصلي يخشع إذا أغمض عينيه أغمضهما، وإذا كان يخشع إذا فتح عينيه فلا يغمضهما.

هـ - أن يسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقه الخشوع في صلاته، لأن الخشوع أمر عظيم لما يترتب عليه من قبول للصلاة وزيادة الأجر، فيطلب من الله .

فكما يحرص المصلي أن يسأل الله من أمور الدنيا كالولد وسعة الرزق، فسؤاله الله تبارك وتعالى بأن يرزقه الخشوع في صلاته أولى .

رابعا: أن لا يضيع أجر صلاته بالرياء وارتكاب المعاصي . فينبغي أن يخلص المصلي نيته في صلاته لله تبارك وتعالى بحيث يكون الدافع على أدائها تنفيذ أمر الله سبحانه وتعالى، وطمعا برحمته ومحبته ورضاه وخوفا من عذابه وعقابه، وعليه أن يحرص كل الحرص على أن لا يكون الدافع على أدائه لصلاته كسب ثقة الناس وثنائهم.

 ومن مظاهر الرياء في الصلاة أن يكون أداء الصلاة امام الناس أكمل من أدائها وحده، ومنه أيضا تحسين الصوت بالقراءة أثناء الصلاة على نحو لا يفعله إذا صلى وحده.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) أخرجه الإمام مسلم، انظر: مختصر صحيح مسلم، حديث رقم/ ١٤٤٨ .

قال رسول الله : (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما  نوى )) (1) وقال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه : ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملا أشرك به معي غيري تركته وشريكه))(2).

ومن الأسباب التي تؤدي إلى إضاعة ثواب الصلاة وأجرها الوقوع في المعاصي والآثام. فالمصلي الذي يقترف السيئات ويرتكب الآثام يفقد ما تحصل له من الحسنات بسب الطاعات. قال رسول الله ﷺ: ((أتدرون ما المفلس؟ إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ياتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار))(3)

خامسا: أن يصليها في جماعة :

لا شك أن صلاة الجماعة سنة موكدة، وأداء الصلاة في جماعة أكثر أجرا من ادائها منفردا، وأدعى إلى القبول ورفعة المنزلة والدرجة، وزيادة الإيمان.

قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰأُولَٰئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [ التوبة: ١٨].

وقال رسول الله ﷺ : (( من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له نزلا من الجنة كلما غدا أو راح ))4) . ومعنى الحديث: أنه بمقدار التردد إلى المساجد تكون الدرجات في الجنة.

وقال عليه الصلاة والسلام: (( من تطهر في بيته تم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى تروع درجة ))(5).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) أخرجه الإمام البخاري، انظر : مختصر صحيح البخاري، حديث رقم/ ١ .

(٢) أخرجه الإمام مسلم، انظر: مختصر صحيح مسلم، حديث رقم/ ٢٠٨٩ .

(3) أخرجه الإمام مسلم، انظر، مختصر صحيح مسلم، حديث رقم/ ١٨٣٦.

(4) أخرجه الشيخان. انظر: التاج الجامع للأصول ١/ ٢٠٣ .

(5) أخرجه الإمام مسلم، انظر: مختصر صحيح مسلم، حديث رقم/ ٢٤٣ .

 

سادسا: أن يحافظ على ما يقرأ بعد الصلاة من القرآن والأذكار، وأن يتوجه إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء رجاء قبولها .

قال رسول الله ﷺ : (( من قرأ اية الكرسي في دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)). وفي رواية أخرى: (( من قرأ اية الكرسي في دبر كل الصلاة المكتوبة كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى ))(١)

وقال عليه الصلاة والسلام: ((من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا  وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، تلك تسع وتسعون، ثم قال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر))(٢).

 

هذا وبالله التوفيق والحمد لله رب العالمين

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) أخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه بسند صحيح، انظر: الجامع الصغير2/178.

(٢) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، انظر: مختصر صحيح مسلم، حديث رقم/ ٣١٤.