فضائل المساجد وفوائدها

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الطاهر الأمين.

أولا: المساجد رياض الجنة من عمرها بطاعة الله وذكره، كانت سبباً لدخوله الجنة برحمة الله تبارك وتعالى وفضله، قال الله تبارك وتعالى : ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ  [ النور: 36-37 ].

وقال عليه الصلاة والسلام : (( من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح ))(١)، (( سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إما عادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد. . . الحديث ))(٢).

   وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قلت: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: المساجد. قلت: وما الرتع يا رسول الله؟ قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله  والله أكبر))(٣) .

فعمار المساجد يكرمهم الله عز وجل، بأن يجعلهم يوم القيامة في ظل عرشه، وبمقدار التردد على المساجد تكون الدرجات في الجنة.

ثانيا: المساجد محطات السكينة والانس.

إن بيوت الله معمورة بالملائكة، فمنهم من يتعاقبون في صلاتي الفجر والعشاء، ومنهم من يدعون للمصلين بالمغفرة والرحمة، ومنهم من يكونون يوم  الجمعة على أبواب المساجد يسجلون الأول فالأول، ومنهم من يحمون مجالس القرآن .

ولا شك أن المكان المعمور بملائكة الرحمن مكان مبارك، وأن من يحظى بالجلوس فيه تحصل له البركة بدعائهم وحضورهم، فيسكن قلبه وتأنس نفسه، ويذهب عنه ما أهمه وأغمه.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) متفق عليه، انظر: صحيح الجامع الصغير، حديث رقم/ ٦٣٩٩ .

(٢) متفق عليه، انظر: صحيح الجامع الصغير، حديث رقم/ ٣٦٠٣.

(٣) أخرجه الترمذي، انظر: الجامع الصغير، ١/ ٣٥.

قال رسول الله ﷺ : (( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يحدث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ))(1).

وقال عليه الصلاة والسلام: ((وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، وتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ))(٢)

ثالثا: المساجد معين العلم وبساتين المعرفة ومنارات الهداية:

يعتبر المسجد من أعظم روافد العلم والمعرفة للمسلم،من خلال الندوات والدروس والمحاضرات، والخطب وحلقات التعليم و دور القرآن، ولوحات الحائط، ومكتبة المسجد، وأجوبة الأسئلة التي تطرح من خلال تلك المجالس والدروس.

والصورة المضيئة للمساجد في هذا المجال، هي مساجد السلف الصالح وفي طليعتها مسجد المصطفى ﷺ . فقد كان القراء والمحدثون والفقهاء يتخذون حلقات لهم في المساجد الكبيرة، يجلسون فيها لتعليم القرآن الكريم والحديث الشريف والتفسير والفقه والشعر، ولم تكن المساجد قاصرة على تدريس العلوم الدينية  والأدبية فقط، بل تعدى الأمر ذلك ليشمل تدريس العلوم الطبيعية ولا يخفى أن الإعداد لأمهات الغزوات كان من المسجد.

رابعا: المساجد واحات التعارف والتآلف .

ففيها يجتمع المصلون على اختلاف أجناسهم ومستوياتهم، يجمعهم رباط الأخوة و المحبة في الله، يتصافحون، ويتحدثون في شؤون دينهم ودنياهم بما لا يتعارض مع هيبة المسجد وجلالة قدره، ويتزاورون فيما بينهم، ويتحسسون همومهم وقضاياهم، يعين الغني منهم أخاه الفقير،  ويقدم بعضهم لبعض العون والمساعدة.

إن المؤمن قوي بإخوانه، وأفضل الإخوان من كانت أخوتهم محبة في الله، فالتردد على المساجد يجعل المسلم يشعر دائما بالانس والألفة بإخوانه، وهم يطردون عنه شبح الوحشة والوحدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي، انظر: التاج الجامع للأصول ١/ ٢٣٢.

(٢) أجرجه الإمام مسلم، انظر: مختصر صحيح مسلم، حديث رقم/ ١٨٨٨ .

 

ومن واسع فضل الله علينا معشر المسلمين، أن المساجد منتشرة في جميع أرجاء المعمورة، وهي مليئة بالمصلين فحيثما توجه المسلم في حله وترحاله، يجد إخوانه أمامه في بيوت الله، وسرعان ما تقوم بينه وبينهم وشائج المحبة والصلة.وقد امتن الله على المسلمين بأن جعلهم إخوة في الدين بقوله:

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[أل عمران:١٠٣].

خامسا: المساجد ينابيع الإيمان :

إن عمارة المساجد بأداء الصلاة وقراءة القران والمحافظة على الأذكار، والانتفاع بمحطات العلم والمعرفة فيها، تزيد الإيمان في القلوب. قال الله تبارك وتعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [ الأنفال: ٢ ]،﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: ٢٨].

وقال رسول الله ﷺ : (( إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان ))(١).

إن الشعور بزيادة الإيمان يدركه المصلي أثناء صلاته وهو يستمع لقراءة إمامه، وخاصة في الصلوات الجهرية، ويزداد الإيمان أكثر إذا كان الإمام تقيا حسن الصوت، فإنه يخشع ويخشع معه المصلون. فحال المصلي في المسجد بعد الصلاة أحسن منه قبل الصلاه، بسبب زيادة الإيمان في قلبه بأداء الصلاة جماعة. وكما يزداد إيمانه بسماع القران يزداد أيضا بقراءته للقرآن والأذكار بعد الصلاة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) أخرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة بسند صحيح. انظر: الجامع الصغير للسيوطي 1/26.

 

 

 

سادسا: المساجد مصانع الرجال :

إن المساجد تساهم في بناء الجوانب الايجابية في شخصيات عمارها، وتؤهلهم لحمل أمانة البناء في المجتمع، وتصنع منهم اللبنات الصالحة، فهم أصحاب إيمان قوي، وعلم غزير، وخلق رفيع، وسلوك حسن، قد شهد لهم الله في ذلك فمنحهم أوسمة الرجولة والإيمان والهداية، فقال: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰأُولَٰئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [ التوبة: ١٨ ].

﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ  [ النور: 36-37 ].

أما الإيمان والرجولة فواضحان، وأما وصف الهداية فإن لفظ ((عسى)) في الآية يفيد التحقيق لانها في حق الله تبارك وتعالى كذلك، فيكون معنى الآية : (( افأولئك هم المهتدون )).

إن رواد المساجد يعملون بوازع إيماني، يقوم على أساس الإحساس بالرقابة الربانية الدائمة، فهم في ممارساتهم لأعمالهم يراقبون الله، فأعمالهم متقنة، وليسوا بحاجة إلى رقابة بشر، وما يزيدهم التردد على بيوت الله إلا إخلاصا وإتقانا وجدا ونشاطاً .

وخير شاهد على ذلك أن أعظم قادة فتح العالم، وهم الصحابة الأجلاء رضوان الله عليهم، تخرجوا من بيوت الله. ولقد كان لهم الفضل بعد الله في صناعة أمجاد أمتنا وحضارتها، وفي كافة الميادين. وقد ظلت أمتنا كذلك حتى ضعف فيها الإيمان، وذبل في قلوب المسلمين حس الرقابة الربانية، فآلت إلى ما آلت إليه من الضعف والهوان.

فإذا أريد للأمة أن يعود إليها عزها ومجدها فعليها أن تبني الإيمان في قلوب أفرادها ليتأهلوا لعون الله ونصرته. وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [ محمد: 7] .

هذا وبالله التوفيق والحمد لله رب العالمين