الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الطاهر الأمين.
أولاً : تعريف الربح : يعرف الربح بأنه نماء المال الناتج عن استخدامه في نشاط استثماري مشروع .فهو تقليب لرأس المال من حال إلى حال ، فالربح الناتج عن النشاط التجاري مثلاً يتحول فيه رأس المال في حالة الشراء من نقود إلى عروض (سلع) ، ثم تعود بالبيع نقوداً أكثر في حالة الربح وأقل في حالة الخسارة .
ثانياً : الأسباب الشرعية لاستحقاق الربح :
- المال : لأن الربح نماء المال ، فيكون لمالكه ، لذلك استحق صاحب المال الربح بماله في شركة المضاربة .
- العمل : فالجهد المبذول في النشاط الاستثماري يستحق صاحبه الربح ، لذلك استحق المضارب الربح بعمله في شركة المضارب
- المال والعمل : فكل من يدير ماله بنفسه بقصد الاستثمار يتحقق له الربح بماله وعمله ، لذلك استحق كل شريك في شركة العنان الربح بماله وعمله .
- الضمان : فكل من يتحمل مخاطر هلاك السلع ، وظهور العيوب فيها ، وكسادها ، وانخفاض أسعارها بعد شرائها وغير ذلك من المخاطر التي يتعرض لها التجار يستحق الربح بضمانها .
ثالثاً : الفرق بين الربا والربح في البيع لأجل ( بيع التقسيط ) :
- إن كلاً من الربا والربح زيادة على أصل المال ، والفرق بينهما ما يلي :ان الربح ناتج عن البيع وهو عقد مشروع يتقابل فيه الثمن من النقود بالسلعة ، وأما الربا فهو زيادة ناتجة عن عقد محرم يتقابل فيه النقد بجنسه مع الزيادة بسبب الأجل ، وقد نفى الله تبارك وتعالى المساواة في الحكم بين الزيادة الناتجة عن عقد مباح والزيادة الناتجة عن عقد محرم ، فقال سبحانه وتعالى : (( ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا )) والعلة في تحريم الربا وتحليل البيع تعبدية غير معقولة المعنى فالأمر أمر الله تبارك وتعالى وليس لأحد من خلقه أن يعترض على حكمه ولا أن يخالف أمره ، والواجب على العباد طاعته سبحانه والتسليم لحكمه . أما الحكمة من مشروعية البيع وتحريم الربا فهي محل اجتهاد عند أهل العلم ولعل أفضل ما قيل في ذلك أن رأس المال في البيع يتضمن مخاطرة تتمثل بتغير الأسعار وكساد السلع وظهور العيب وتلف المبيع أو هلاكه. وأما رأس المال في الربا فلا مخاطرة فيه بل هو دين مضمون في ذمة المقترض ، يجب رده مع الزيادة المشروطة وهو ما يعرف بالفائدة .
- أن الزيادة في عقد الربا متجددة فكلما عجز المدين عن السداد تجددت الزيادة وهو ما يعرف بالربح المركب ، أما في البيع لأجل فإن الثمن المحدد للمبيع يستقر في الذمة ولا يجوز أن يزاد على المدين في حالة تأخره عن السداد .
رابعاً : الحطيطة من الربح والزيادة عليه :
تصح الحطيطة من الربح الثابت في الذمة كلياً أو جزئياً تبعاً لجواز الحطيطة من الدين الثابت في صحيح السنة النبوية ، لأن الربح الثابت في الذمة جزء من الثمن الكلي وقد صدر بذلك قرار خاص عن مجمع الفقهي الإسلامي الدولي جاء في : ( الحطيطة من الدّين المؤجل لأجل تعجيله سواء أكانت بطلب من الدائن أو المدين جائزة شرعاً لاتدخل في الربا المحرم ) .
أما الزيادة على الربح بعد استقرار الثمن وثبوته في الذمة في البيع لأجل فلا يجوز شرعاً وهو ما يعرف بجدولة الديون لأنه ربا الجاهلية المحرم بقول الله تبارك وتعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ))
خامساً : شروط صحة الربح وسقفه الأعلى :
يشترط لصحة الربح أن يكون معلوماً ابتداءً ، أو يؤول إلى العلم فجهالة الربح في عقود المعاوضات تبطلها لأن الربح جزء من الثمن ويشترط لصحة البيع أن يكون الثمن معلوماً ، ويحدد الربح بالنسبة أو الحصة ولا يوجد سقف أعلى للربح المشروع .
سادساً : احتساب الربح بطريق النسبة المئوية : إن اعتماد النسبة المئوية جائز شرعاً ، ولا علاقة له بالفائدة التي تتقاضاها البنوك الربوية ، للأسباب التالية :
- الأثر المروي عن ابن مسعود –رضي الله عنه- أنه كان لا يرى بأساً في ما يباع باللغة الفارسية : ( ده يازدة وده داوزدة ) أي أن يباع الشيء الذي تم شراؤه بعشرة دراهم مثلاً بأحد عشر أو باثني عشر ، فهي تساوي أن يباع الشيء المشترى بمائة درهم بمائة وعشرة دراهم , فتكون نسبة الربح عشرة بالمائة (10%) .
- إن الذين لم يجيزوا هذا الأسلوب في حساب الربح تعللوا بجهالة الثمن ، والواقع أن الجهالة تزول بالحساب .
- لا فرق بين أن يقول البائع : أبيعك على أن أربح في كل عشرة دراهم درهماً ، وأن يقول : أن ربحي في السلعة 10% .
- هنالك فرق بين ما يتبعه المصرف الإسلامي ، وما يطبقه البنك الربوي فيما يتعلق بالاعتماد على النسبة المئوية ، أما المصرف الإسلامي فإنه يتفق ابتداءً مع المشتري على نسبة الربح بناء على مدة الأجل الذي يسدد فيه الثمن ، فإذا تم الاتفاق على نسبة معينة، فإنه لا يجوز للمصرف الإسلامي أن يزيد عليها شيئاً حتى لو أعسر المشتري ، لأنه قد حصل اتفاق بينهما على الثمن والربح ، فلا تغيير عليهما بعد هذا الاتفاق. أما البنك الربوي فإنه يحدد أرباحه بالنسبة المئوية بناء على مدة الأجل الذي يسدد فيه القرض ، ولكن هذه النسبة ليست ثابتة كما في المصرف الإسلامي ، وذلك لأن المدين إذا تأخر عن دفع المطلوب من الدين في الزمن المحدد للدفع ، فإن البنك يتقاضى زيادة في مقدار الفائدة كلما تأخر المدين عن الدفع
سابعاً : التناسب الطردي للربح مع الزمن : إن الزيادة في الثمن لأجل الأجل جائزة شرعاً ، ويستدل على ذلك بما يلي :
- أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( اشترى من يهودي طعاماً بنسيئة ) . وأمر عليه الصلاة والسلام عبدالله بن عمرو – رضي الله عنهما- ( بشراء البعير ببعيرين إلى أجل ) ، فالزيادة على الثمن في البيع المؤجل ثابتة بالنص .
- إن المعاوضة العادلة بين بدلين مختلفين في الاستحقاق ( أحدهما معجل والآخر مؤجل ) لا تتم إلا بأخذ الزمن بعين الاعتبار ، فالعدالة تقتضي أن يكون البدل المؤجل أزيد من البدل المعجل في البيوع التي يجوز فيها تأجيل أحد البدلين ، لأن العين خير من الدين ، والنقد خير من النسيئة .
- إن البيع لأجل (بيع التقسيط) فيه منفعة لكل من الطرفين كبيع السَلم ، فالمشتري ينتفع بالسلعة المشتراة ، والبائع ينتفع بزيادة الثمن ، وكذلك الحال في بيع السَلم ، فإن البائع ينتفع بتعجيل الثمن لأنه يعتبر تمويلاً له ، والمشتري ينتفع برخص الثمن ، فالقاسم المشترك بين بيع التقسيط وبيع السلم المنفعة المشتركة بين طرفي العقد .
- إن عبارات الفقهاء ريحة في جواز زيادة الثمن مقابل الزيادة في الأجل ، وقد عبروا عن ذلك بعبارات متنوعة منها: ( إن للأجل حصة من الثمن ) ، ( يزاد على الثمن لأجل الأجل ) ، ( إن الثمن المؤجل أنقص في المالية من الثمن المعجل ) ، ( إن المعجل أكثر قيمة من المؤجل ) .
وخلاصة القول بأن اعتماد المصارف الإسلامية على مقياس التناسب الطردي في الأرباح تبعاً لطول مدة التسديد جائز شرعاً ، جمعاً بين القول بجواز الزيادة في الثمن مقابل الزيادة في الأجل ، والقول بجواز حساب الربح بالاعتماد على مقياس التناسب المئوي .
هذا وبالله التوفيق