حقوق
الأولاد على الآباء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد
الطاهر الأمين.
كما أن
للوالدين حقوقا على الأبناء يجب أدائها والقيام بها فإن للأبناء حقوقا على
الوالدين ينبغي مراعاتها. وأهم هذه الحقوق ما يلي:
أولا: أن يحسن الأب اختيار أم أبنائه.
لا شك أن الابن ذكرا كان أو أنثى يكتسب من صفات أبويه الخلقية والخلقية،
فعندما يوفق الأب إلى اختيار الزوجة الصالحة فإنه يحظى بالذرية الطيبة التي تأصلت
فيها الصفات الحسنة وفطرت على معالي الأمور.فعن عائشة رضي الله عنها مرفوعا:
((تخيروا لنطفكم فأنكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم))
ورحم الله من قال:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت جيلا طيب الأعراق
وليس النبت ينبت في جنان كمثل النبـت ينبت في الفلاة
وهل يرجى لأطفال كمال إذا رضعوا ثدي الناقصات
ثانيا : أن يسميه اسما حسنا . امتثالا للتوجيه النبوي الكريم حيث قال
رسول الله ﷺ : (( إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء ابائكم فأحسنوا أسماءكم))
ومن الأسماء المستحسنة أسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. لقوله عليه
الصلاة والسلام: (( أحب أسمائكم إلى الله
عبدالله وعبدالرحمن)). (( تسموا بأسماء الأنبياء)).
والحكمة من تسمية المولود باسم نبي أو صحابي هي إحياء ذكره ، وتيمنا بأن
يكون في المولود من صفات الأول وشمائله فلكل إنسان حظ من اسمه.
ثالثا: أن يساوي بين أبنائه في المحبة، فلا يحت الذكور ويكره الإناث ،
لأن ذلك جاهلية بغيضة حاربها الإسلام وحرمها واعتبرها من رواسب الجاهلية ومخلفاتها.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ
وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ، يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا
بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا
سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
وقد حث الإسلام الآباء على حب البنات وإكرامهن، ووعد من أحبهن وأحسن
إليهن بالفوز بالجنة والنجاة من النار وذلك على لسان رسول الله ﷺ حيث قال: (( من
عال جاريتن حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين - وضم أصابعه))
رابعا: أن يحسن تربيتهم. لأن ذلك من أعظم حقوق الأبناء على الآباء
والأمهات امتثالا لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا
أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾
وقوله ﷺ : (( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله، وهو
مسؤول عن رعيته )).
فالوالدان مطالبان بتربية أولادهما التربية الإسلامية الكاملة وخاصة
الدينية والأخلاقية، فيربيان أولادهما على الالتزام بأحكام الإسلام وآدابه،
والتحلي بالمثل العليا والأخلاق الحسنة التي دعا إليها ديننا الحنيف، والابتعاد عن
الرذائل والسلوكيات السلبية التي تشين النفس وتقدح الكرامة.
إن الأبناء الذين يحظون بالتربية الإسلامية من قبل والديهم يكونون قرة
أعين لأهليهم، فسمعتهم حسنة، وتصرفاتهم لائقة، وموفقون في كافة شؤونهم . فهم عدة
الحاضر، وأمل المستقبل، وذخر بعد الموت.
ومن أفضل الوسائل لتربية الأولاد: التوجيه المستمر، والمتابعة الحثيثة،
والأسوة الحسنة من الوالدين أنفسهما، فالتزام الوالدين خير سبيل لالتزام الأبناء.
ومن أكثر أسباب انحراف الأولاد فساد الوالدين أنفسهما، فإن الابن يقلد
أباه، والبنت تقلد أمها، فأنى للأب الفاسد والأم الماجنة أن يربوا أولادهما على
الأدب والاحتشام، ففاقد الشيء لا يعطيه.
خامسا: أن يعامل الوالدان أولادهما باللين والوحمة لأن ذلك يجعل الأولاد
يحبون والديهم، ويستشعروا بكرامة أنفسهم وتقديرهم عند أهلهم، فيتقبلون منهم النصح
والتوجيه، وينفذون أوامرهم بمنتهى المحبة والرضى.
وينتج عن ذلك كله وئام وانسجام واستقرار أسري، ويكون أبناء تلك الاسرة من
ذوي الشخصيات القوية والأخلاق الفاضلة.
وللإسلام هديه الخاص ومنهجه المتميز في الحت على الرفق والرحمة
والملاطفة، وتجنب العنف والشدة . فروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (( أكرموا
أولادكم وأحسنوا آدابهم فإن أو لادكم هدية إليكم )). (( رحم الله والدا أعان ولده
على بره )).(( أعينوا أولادكم على البر من شاء استخرج العقوق من ولده )).
سادساً: الإنفاق على الأبناء:إن نفقة الأولاد تجب على أبيهم وحده لا
يشاركه فيها أحد، لأن الأب يختص بانتساب أولاده إليه لا يشاركه في ذلك أحد، ولقوله
ﷺ لزوجة أبي سفيان:
((خذي ما يكفيك وولدك
بالمعروف))
والنفقة بحسب حال الأب من حيث اليسار أو الإعسار، وبما لا يقل عن الكفاية
لأنها وجبت للحاجة، والحاجة تندفع بالكفاية. لقوله ﷺ : (( خذي ما يكفيك وولدك
بالمعروف )).
سابعا : ان يعدل بين أبنائه في الأعطيات حال حياته، فتعطى الإناث مثلما
يعطى الذكور، لقوله ﷺ : (( سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مؤثرا لآثرت النساء
)).
ولما أخرجه الشيخان عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : تصدق علي أبي
ببعض ماله، فقالت أمي: لا أرضى حتى تشهد رسول الله ﷺ: فانطلق أبي إلى النبي ليشهده على صدقتي، فقال له
رسول الله ﷺ (( أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا. قال: اتقوا الله واعدلوا في
أولادكم، قال : فرجع أبي فرد تلك الصدقة)).وفي رواية: (( أيسرك أن يكونوا لك في
البر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذن )).
ويجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض لمبرر شرعي كأن يكون الولد مصابا بعاهة
تمنعه من الكسب كالعمى أو الشلل، وكذلك إذا كان عاجزاً عن الكسب ، أو لقضاء الدين
أو لكثرة عياله ونحو ذلك.
والله تبارك وتعالى أعلم ،والحمد لله رب العالمين