الإعتمادات المستندية في المصارف الاسلامية

الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الطاهر الأمين
تقوم المصارف الإسلامية بتلبية حاجات المتعاملين معها الراغبين بشراء سلع من السوق الخارجية على أساس الاعتمادات المستندية المتعارف عليها في التجارة الخارجية الدولية .

والحديث عن الاعتمادات المستندية في المصارف الإسلامية يتطلب بيان التصور النظري والتطبيق العملي لها وكما يلي :
 
اولا :التصور النظري للاعتمادات المستندية :
تعريف الاعتمادات المستندية : الاعتمادات جمع اعتماد وهو : تعهد مكتوب من بنك يسمى المُصدِر يسلم للبائع بناء على طلب المشتري (مقدم الطلب أو الآمر بالشراء) يهدف إلى القيام بالوفاء في حدود مبلغ محدد خلال فترة معينة شريطة تسليم مستندات البضاعة مطابقة للتعليمات .

وصورته : أن يتقدم التاجر مريد الاستيراد إلى المصرف المحلي بطلب فتح اعتماد مالي لاسمه بمبلغ معين هو ثمن البضاعة المراد استيرادها ، فيقوم المصرف المحلي بإبلاغ مصرف أجنبي يتعامل معه في بلد المُصَدِّر بأن ذلك المستورد له اعتماد مالي لديه بالمبلغ المتفق عليه ، ثم يقوم ذلك المصرف الأجنبي في بلد المُصَدِّر بإبلاغ المنتج ( بائع البضاعة لمستوردها ) بأنه يتعهد بأداء ثمنها المحدد إليه متى سلمه وثيقة شحن البضاعة إلى المستورد .

مثال ذلك :

إذا باع تاجر في ماليزيا مثلاً بضاعته لتاجر في عمّان وقد لا تكون بينهما ثقة متبادلة أو تكون ولكنهما يؤثران الحيطة فيطلب البائع من المشتري أن يوسط مصرفاً يثق به ، فيتعهد المصرف بتأدية الثمن المحدد للبضاعة إلى البائع تعهداً معلقاً على تقديم البائع إلى المصرف الوثائق المستندية التالية :
  • مستندات شحن البضاعة في الزمن المتفق عليه .
  • وثيقة تأمين تغطي جميع الأخطار المنصوص عليها في الاعتماد .
  • الفاتورة التي يشترط أن تطابق الوارد في الاعتماد مطابقة تامة .
فهذا التعهد من المصرف يسمى فتح اعتماد ، ويخبر به البائع لكي يشحن البضاعة اعتماداً عليه .
فإذا قدم البائع المستندات المطلوبة ، ودفع له المصرف الأجنبي الثمن ضم المصرف المذكور هذه المستندات إلى الورقة التجارية المثبتة دفع الثمن للبائع ( الإيصال ) وأرسل الوثائق كلها إلى المصرف المحلي ليقوم بتأدية مبلغها مع المصاريف إلى المصرف الأجنبي في بلد البائع .
 
وللمصرف المحلي أيضاً عمولته المتفق عليها يستوفيها وسائر التوابع مع مبلغ الاعتماد من الآمر بالشراء .
فإن أبى الآمر بالشراء الدفع كان للمصرف المحلي حق بيع البضاعة ، لأنها مرهونة بحقه وليس له حق الرجوع على البائع بحال مهما تكن الأسباب ، لأن العملية بطبيعتها تتضمن نزول المصرف فاتح الاعتماد عن حقوقه المصرفية تجاه البائع ليطمئن هذا البائع إلى الوفاء .

ثانيا : أنواع الاعتمادات بالنسبة للصفقة الممولة :
  • الاعتمادات المستندية لتمويل جزء من صفقة : ويكون ذلك في حالة تعذر التمويل من مصرف واحد واشتراك اثنان أو أكثر من المصارف في التمويل
  • الاعتمادات المستندية الانفرادية : ويكون ذلك في حالة تمويل  المصرف لصفقة واحدة بموجب اعتماد مستندي واحد .
  • الاعتمادات المستندية المتعددة : ويكون ذلك في حالة قيام المصرف بتمويل استيراد بضاعة ضمن سقف مالي محدد بموجب اتفاقية تعاون بين المصرف والتاجر بحيث يتم الاستيراد بأكثر من اعتماد .

ثالثا :  أطراف الاعتماد المستندي
  • المشتري : وهو المستورد للسلعة الذي يتقدم إلي المصرف الذي يتعامل معه بطلب فتح الاعتماد المستندي لصالح البائع المصدر.
  • المصرف فاتح الاعتماد الذي يتعهد بالدفع للمستفيد.
  • المستفيد : وهو المصدر الذي يقوم بتنفيذ شروط الاعتماد في مدة صلاحيته.
  • المصرف المراسل : وهو المصرف الذي يقوم بإبلاغ المستفيد بنص خطاب الاعتماد.

رابعا : العلاقات والالتزامات بين إطراف الاعتماد
 
  1. العلاقة الأولى بين البائع والمشتري ويحكمها عقد البيع.
  2. العلاقة الثانية بين المشتري طالب الاعتماد والمصرف المصدر للاعتماد.
  3. العلاقة الثالثة بين المصرف المصدر للاعتماد والبائع ( المستفيد ).
  4. العلاقة الرابعة بين المصرف مصدر الاعتماد والمصرف المراسل ، وتتلخص بما يلي
    • إن يكون المصرف المراسل مبلغا فقـــط ، بحيث يكلفـــــــــــــه المصرف فاتح الاعتماد بإخطــــــــــــــــار البائع ( المستفيد ) بالخطاب الاعتماد وتسلم المستندات وفحصها
    • إن يكون المصرف المراسل دافعا للثمن الذي يكلفه به المصرف فاتح الاعتماد لصالح البائع
    • إن يكون معززا للاعتماد فيكون ملتزما أصيلا بقيمة الاعتماد ( ضامن ).

خامسا : مراحل الاعتماد المستندي
 
المرحلة الأولى : مرحلة العقد التجاري الموثق بالاعتماد بين المشتري والبائع
المرحلة الثانية : مرحلة فتح الاعتماد بطلب المشتري من المصرف ذلك والاتفاق معه على شروطه وحيثياته وفق نموذج خاص بذلك معتمد يسمى طلب فتح اعتماد.
المرحلة الثالثة : مرحلة إصدار الاعتماد وتبليغه فيصدر المصرف الاعتماد ويبلغه إلي البائع ( المستفيد )..
المرحلة الرابعة : مرحلة تنفيذ الاعتماد وهي المرحلة التي يقوم فيها البائع ( المستفيد ) بالوفاء بالتزاماته.

سادسا : المستندات المطلوبة في الاعتمادات المستندية
  1. الفاتورة التجارية يصدرها البائع بناء على طلب المشتري ( طالب الاعتماد ).
  2. شهادة المنشأ تصدر من الغرفة التجارية في بلد البائع ( المستفيد ).
  3. بوليصة الشحن ( جوية أو برية أو بحرية ) .
  4. شهادة الوزن في ( بضاعة المعتمد تقديرها على الوزن ).
  5. بيان التعبئة في البضاعة غير المتجانسة لمعرفة محتوى كل طرد على حدا.
  6. بيان المواصفات في البضاعة التي تعتمد على الأحجام والمقاييس.
  7. شهادة معاينة تصدر بعد خروج البضاعة من المخازن وقبل الشحن
  8. شهادة صحية في المواد الغذائية وتصدرها الجهات الصحية في بلد البائع.

سابعا : أنواع الاعتمادات المستندية بناء على التغطية والتكييف الشرعي للاعتمادات المستندية
  • الاعتماد المستندي المغطى كليا من قبل العميل وتكون العلاقة بين طالب الاعتماد والمصرف فاتح الاعتماد هي وكالة باجر معلوم.
  • الاعتماد المغطي جزئيا من المصرف وتكون العلاقة بين الفريقين إما على أساس المشاركة أو المرابحة الاستيرادية في الجزء الغير مغطي والوكالة باجر في الجزء المغطي أو بغير اجر.
  • الاعتماد المستندي غير المغطى والعلاقة بين فاتح الاعتماد والمصرف تكون إما على أساس التمويل بالمرابحة أو التمويل على أساس عقد المضاربة ، فيكون المصرف صاحب المال وفاتح الاعتماد وصاحب الجهد والربح بينهما حسب الاتفاق.
  • الاعتماد المستندي المعزز من المصرف المراسل ، في هذه الحالة يكون المصرف المراسل معززا ( ضاما ) لتنفيذ الاعتماد ويتقاضى على ذلك عمولة تؤخذ في العرف التجاري من فاتح الاعتماد مقابل الضمان.
والتكييف الشرعي لهذه العمولة وفق المقرر في المعايير الشرعية أنها غير جائزة شرعا لأنها أجرة على الضمان المحض .
وبناءا عليه فلا يجوز اقتسام هذه العمولة بين المصرف المراسل والمصرف فاتح الاعتماد.
 
ثامنا :مقارنة بين المصارف الإسلامية والبنوك الربوية من حيث ممارسة الاعتمادات المستندية
تختلف المصارف الإسلامية عن البنوك الربوية في ممارستها للاعتمادات المستندية بما يلي :
  1. إن مسؤولية البنك الربوي ترتبط بالوثائق وحدها (مستندات البضاعة) ، ولا علاقة له البتة بالبضاعة التي تمثلها هذه الوثائق ، فهو يرتب المسؤولية على فاتح الاعتماد (مستورد البضاعة)  .فلو وصلت البضاعة خلاف المواصفات كما يحصل في بعض الأحيان ، حيث تشحن بضاعة تافهة مكان البضاعة المطلوبة بسبب غش البائع المصدر ، أو يكون في الحاوية أحجار بدل البضاعة بسبب الغش ، أو عمليات سرقة في البحر أثناء نقل البضاعة فإن المصرف الربوي لا علاقة له بذلك ما دامت الوثائق التي استلمها وسلمها وثائق نظامية لا يظهر فيها تلاعب .أما المصرف الإسلامي فإن مسؤوليته ترتبط بالبضاعة ، فيجب أن يكون المصرف بائعاً للسلعة إلى الآمر بالشراء، فإذا وصلت السلعة خلاف المواصفات ، فإنه لا يحق له أن يطالب الآمر بالشراء بالثمن لأنه غير مسؤول عما حصل وليس له أيضاً أن يطالبه بربح .
  2. أما من حيث انتهاء المسؤولية عن البضاعة ؛ فإن مسؤولية البنك الربوي في فتح الاعتماد تنتهي من لحظة دفع قيمة البضاعة إلى المصدر عند استلام وثائق الشحن النظامية ؛ فالبضاعة لا تدخل في ملك البنك مطلقاً ، ولكن له عليها حق الارتهان والحبس إلى أن يسدد التاجر الثمن والفوائد . ويصبح طالب الاعتماد مديناً له من تلك اللحظة بالمبلغ الذي دفعه البنك مضافاً إليه الفوائد المتفق عليها . لأن الأساس الذي تقوم عليه الاعتمادات المستندية في البنوك الربوية هو القرض بشرط الفائدة وهو الربا المحرم شرعاً .أما المصرف الإسلامي فإن البضاعة تشحن باسمه ، وهو يبيعها بعد ذلك للآمر بالشراء ، لأن الأساس الذي تقوم عليه الاعتمادات المستندية في المصارف الإسلامية هو بيع المرابحة ، والتي تتطلب أن يملك المصرف الإسلامي البضاعة من بائعها وتدخل في ضمانه قبل أن يبيعها إلى المشتري فاتح الاعتماد حتى يكون ربحه فيما بعد مشروعاً، وهذا يعني أن مسؤولية المصرف الإسلامي لا تنتهي بمجرد دفع الثمن إلى البائع المصدر ، بل لابد لانتهاء مسؤولية المصرف الإسلامي عن البضاعة من تسلم البضاعة وتسليمها للعميل بموجب مستندات الشحن ، وهو ما يعرف بالقبض الحكمي الذي يقوم مقام القبض الحقيقي للبضاعة وكلاهما جائز شرعاً .
  3. يشترط البنك الربوي على فاتح الاعتماد أن يؤمن على البضاعة ، ولا يقبل فتح الاعتماد إلا على هذا الأساس ، فإذا أفلست شركة التأمين ، أو تهربت من الأداء ، أو ماطلت وكان الضرر الذي وقع غير مغطى بالتأمين، فإن فاتح الاعتماد يتحمل ذلك مع التزامه بأداء الدين (ثمن البضاعة مع الفوائد) .أما المصرف الإسلامي فإن البضاعة تكون في ملكه إلى أن يشتريها فاتح الاعتماد بعقد المرابحة النهائي ، وتقع على المصرف مسؤولية التأمين عليها إلى أن يسلمها للبائع .
  4. إن التأمين على البضاعة في الاعتمادات المستندية لدى المصارف الإسلامية يجب أن يكون وفق توجيهات هيئة الرقابة الشرعية ، أما التأمين على البضاعة في الاعتمادات المستندية لدى البنوك الربوية فلا يخضع لأية معايير شرعية .
 
تاسعا: التطبيقات العملية للاعتمادات المستندية في المصارف الإسلامية :

تتفق المصارف الإسلامية في ممارستها للاعتمادات المستندية على أنها صورة من صور بيع المرابحة وهو ما يعرف بالمرابحة الخارجية لأن السلعة المطلوبة للآمر بالشراء تكون من السوق الخارجية .
وتختلف المصارف الإسلامية في كيفية تنفيذ المرابحة الخارجية على أساس الاعتمادات المستندية كما يلي :
  1. تقوم بعض المصارف الإسلامية بتنفيذ الاعتمادات المستندية على أساس المرابحة الخارجية بحيث تكون فاتورة البيع ومستندات الشحن باسم المصرف ، وتقوم بنفسها بالتأمين على البضاعة ، واجراءات التخليص عليها وتسليمها للتاجر فاتح الاعتماد مع مستندات الشحن على أساس القبض الحقيقي ، والتسليم الحقيقي ، وهي أسلم الطرق شرعاً .
  2. تقوم بعض المصارف الإسلامية بتنفيذ الاعتمادات المستندية بنفس الطريقة السابقة إلا أنها لا تقوم بالتخليص على البضاعة المستوردة وتسلمها وتسليمها على أساس القبض الحقيقي ، ولكنها تعتمد في الاستلام والتسليم على أساس القبض الحكمي فإذا وصلت مستندات الشحن إلى المصرف يقوم بإرسال إشعار إلى التاجر فاتح الاعتماد يعلمه فيه بوصول مستندات الشحن ، وموافقته على بيع البضاعة له فيقوم التاجر المشتري بإرسال إشعار القبول بالشراء الذي يعلن فيه موافقته على شراء البضاعة ، وبذلك ينعقد بيع المرابحة ، ثم يقوم المصرف بتظهير مستندات الشحن للتاجر فاتح الاعتماد ليتولى القيام بإجراءات التخليص عليها وقبضها قبضاً حقيقياً ، بحيث تنتهي مسؤوليتها عن البضاعة بتسليم مستندات الشحن إلى المشتري شريطة أن تكون مطابقة للمواصفات المذكورة في الاعتماد ، ويتحمل المصرف مسؤولية اختلاف المواصفات أو نقص البضاعة أو تلفها .
  3. تقوم بعض المصارف الإسلامية بتنفيذ بعض الاعتمادات المستندية على أساس وكالة المرابحة التي تمنح لبعض التجار المستوردين في حالات خاصة ، وفق توجيهات هيئة الرقابة الشرعية ، وتتلخص التطبيقات العملية لهذه الحالة بما يلي :
    • يتم توقيع وكالة المرابحة بين المصرف والتاجر المستورد إذا كانت تنطبق عليه الضوابط الشرعية الخاصة بوكالة المرابحة بعد التحقق من ذلك من قبل المدقق الشرعي للمصرف .
    • يقوم التاجر باستيراد البضاعة بحيث تكون فاتورة البيع باسمه بصفته وكيلاً عن المصرف في الشراء .
    • يقوم البنك المراسل بدفع ثمن البضاعة إلى البائع المورد بناء على أمر المصرف الإسلامي له بالتسديد ويطلب منه شحنها بحيث تكون مستندات الشحن باسم المصرف الإسلامي .
    • يتولى التاجر المستورد مسؤولية تخليص البضاعة لأن الفاتورة ترد باسمه مع أنه في حقيقة الأمر ليس مالكاً للبضاعة بل هو وكيل عن المصرف في شرائها والتخليص عليها
    • يجب على التاجر أن يعلم المصرف الإسلامي بوصول البضاعة وأن لا يتصرف بها لأنها ليست ملكاً له .
    • يجب على التاجر أن يرسل إشعاراً للمصرف يبين فيه موافقته على شراء البضاعة وفق وعد الشراء الموقع عليه مسبقاً لدى المصرف ، ويسمى ذلك إيجاباً .
    • يقوم المصرف بإصدار إشعار موافقة على البيع ويسمى ذلك قبولاً ، فينعقد بذلك بيع المرابحة بين المصرف بصفته بائعاً والتاجر المستورد بصفته مشترياً ،ثم يقوم المصرف بتسليم مستندات الشحن للتاجر لاستكمال تسليم البضاعة له ، فيصبح مالكاً لها شرعاً.
                                   هذا وبالله التوفيق