الحمد لله رب العالمين ، وأفضل
الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الطاهر الأمين
أولاً : تعريف المرابحة المصرفية
المرابحة
المصرفية هي إحدى صيغ التمويل في المصارف
الإسلامية ويمكن تعريفها بأنها : قيام المصرف بشراء السلعة التي طلبها الآمر
بالشراء بثمن نقدي واعادة بيعها له بثمن
معلوم وربح معلوم وإلى أجل معلوم.
حيث تقوم
المصارف الإسلامية بموجبها ببيع سلعة معينة إلى العميل بعد تملكها وذلك بالثمن
الأول للسلعة مع زيادة ربح معلوم متفق عليه ، ويدفع العميل الثمن الإجمالي في أجل
محدد أو على أقساط محددة .
وتتكون من ثلاثة أطراف البائع، والمشتري ، والمصرف باعتباره تاجراً وسيطاً
بين البائع الأول والمشتري ، والمصرف لا يشتري السلع هنا إلا بعد تحديد المشتري
لرغباته ووجود وعد مسبق بالشراء.
مجالات تطبيق المرابحة المصرفية
يمكن تطبيق
بيع المرابحة على مختلف الأنشطة والقطاعات سواء أكان ذلك خاصاً بالأفراد أم
بالشركات والمؤسسات الخاصة أو الحكومية . كما أن بيع المرابحة غير محدود بالنشاط
التجاري ، بل إنه يشمل كل نشاط سواء أكان لتلبية الاحتياجات الفردية (شراء سيارة
أو ثلاجة أو عقار..) أو الاحتياجات المهنية (شراء معدات أو أجهزة أو آلات ..) ، أم
كان لتلبية الاحتياجات الصناعية والتجارية (شراء مواد خام أو سلع ..) ، أو
الاحتياجات الحكومية ( شراء نفط أو معدات للمطارات والموانئ والمرافق العامة ..) .
ثانياً
: أركان وشروط المرابحة
المصرفية
- أركان المرابحة المصرفية : المراد بأركان المرابحة المصرفية هو تلك المقومات والعناصر التي تتكون منها المعاملة ولا تتحقق إذا تخلف أي منها . وهي كما يلي :
- الآمر
بالشراء : وهو من يرغب بتملك سلعة عن طريق المصرف الإسلامي سواء أكان فرداً
أو مؤسسة .
- البائع : وهو من يملك السلعة التي يرغب الآمر بالشراء بتملكها من خلال المصرف .
- المبيع : هو السلعة التي يرغب الآمر بالشراء الحصول عليها من خلال المصرف وهي محل التعاقد الذي تقوم عليه المعاملة .
- المصرف : وهو الجهة التي ستشتري السلعة بثمن نقدي من البائع وتبيعها مرابحة بثمن مؤجل إلى الآمر بالشراء.
- الصيغ الشرعية اللازمة لتنفيذ المعاملة وهي :
- طلب الشراء الذي تبدأ به المعاملة سواء أكان لفظاً صريحاً أو طلباً مكتوباً ، أو من خلال التوقيع على نموذج معتمد من قبل المصرف .
- عقد بيع بثمن نقدي بين المالك للسلعة بصفته بائعاً ، والمصرف بصفته مشترياً والذي تنتقل بموجبه ملكية السلعة من المالك الأصلي إلى المصرف وتدخل في ضمانه ليتمكن من بيعها إلى الآمر بالشراء مرابحةً .
- عقد بيع مرابحة بثمن مؤجل بين المصرف بصفته بائعاً وبين الآمر بالشراء بصفته مشترياً ، تنتقل بموجبه ملكية السلعة من المصرف إلى الآمر بالشراء
- الثمن : وهو ما يلتزم الآمر بالشراء بدفعه للمصرف
بصفته مشترياً في عقد بيع المرابحة .
ثالثا: شروط المرابحة المصرفية
أن المرابحة المصرفية في جوهرها مرابحة فقهية
متطورة في بعض الجوانب التي يتطلبها العمل المصرفي ، فيشترط لصحتها ما يشترط لصحة
المرابحة الفقهية وبعض الشروط الإضافية التالية :
- أن يكون الثمن معلوماً للبائع والمشتري لأن العلم بالثمن شرط في صحة البيوع ويشمل هذا الشرط المرابحة لأنها نوع من أنواعها .
- أن يكون الربح معلوماً للبائع والمشتري لأنه بعض الثمن ، والعلم بالثمن شرط في صحة البيوع .
- أن يكون المبيع مما يجوز بيعه شرعاً .
- أن لا يكون المبيع مما لا يجوز بيعه بالثمن المؤجل كالذهب والفضة والعملات . لأن الغالب في المرابحة المصرفية أن يكون الثمن مؤجلاً .
- أن يكون أجل الثمن معلوماً .
- وجوب تملك المصرف للسلعة ودخولها في ضمانه قبل بيعها للمشتري .ملكية يتحمل بموجبها مخاطر هلاكها ، أو تلفها ، أو تعيبها.
رابعاً : مشروعية المرابحة المصرفية:
أن بيع المرابحة للآمر بالشراء عقد جديد مختلف
في صحته ، من حيث الإجازة والمنع وقد ذهب
معظم العلماء إلى أن هذا العقد عقد مشروع ، واستدلوا على مشروعيته بأدلة من
المنقول والمعقول أهمها :
الدليل
الأول : عموم الآيات الكريمة ، والأحاديث الشريفة الدالة على مشروعية جميع أنواع
البيوع إلا ما خصص منها بآية أو حديث . أما ما لم يخصص فإنه يبقى على أصله وهو
الحل والإباحة .
ومن هذه النصوص : قول الله تبارك وتعالى ( وأحل
الله البيع ) فقالـــــوا : إن الآية تفيد حل جميع أنواع البيع ولا يحرم من البيوع
إلا ما حرمه الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بنص محكم لا شبهة فيه ،
وبيع المرابحة للآمر بالشراء أحد أنواع البيع يدخل في هذا العموم ، وبما أنه لم
يخصص بالتحريم فيبقى على الأصل ، وهو الحل والإباحة .
الدليل
الثاني : نصوص الفقهاء وفتاوى العلماء وأشهرها ما يلي :
- قول الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الأم : ( وإذا أرى الرجلُ الرجلَ سلعة فقال : اشتر هذه وأُربحك فيها كذا ، فاشتراها الرجل ، فالشراء جائز ، والذي قال : أُربحك فيها بالخيار ، إن شاء أحدث فيها بيعاً ، وإن شاء تركه . )
- قول الإمام ابن القيم في كتاب إعلام الموقعين : ( إذا قال رجل لغيره اشتر هذه الدار ، أو هذه السلعة من فلان بكذا وكذا ، وأنا أربحك فيها كذا وكذا ، فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها ، ولا يتمكن من الرد ، فالحيلة أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام أو أكثر ، ثم يقول للآمر : قد اشتريتها بما ذكرت ، فإن أخذها منه (أي اشترى الآمر السلعة من البائع بما ذكــــر له من الثمن فالبيع صحيح) وإلا تمكن مـــــــــــن ردها على البائع بالخيار ، فإن لم يشترها الآمر إلا بالخيار ، فالحيلة أن يشترط له خياراً أنقص من مدة الخيار التي اشترطها هو على البائع ليتسع له زمن الرد إن ردت عليه ) .
- قول ابن شبرمة المالكي فيما يتعلق بالإلزام بالوعد : ( إن كل وعد بالتزام لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً يكون وعداً ملزماً قضاء وديانة ) ، فقالوا : إن قول ابن شبرمة تشهد له ظواهر النصوص القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والأخذ به أيسر على الناس ، والعمل به يضبط المعاملات .
- مذهب الحنابلة : أن الأصل في المعاملات والعقود الإذن والإباحة ، إلا ما جاء نص صحيح الثبوت صريح الدلالة يمنعه ويحرمه ، فيوقف عنده .
- فتوى مؤتمر المصرف الإسلامي الأول التي تنص على ما يلي :( إن مثل هذا التعامل (بيع المرابحة للآمر بالشراء) يتضمن وعداً من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها ، ووعداً آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد الشراء طبقاً للشروط . إن مثل هذا الوعد ملزم للطرفين قضاء طبقاً لأحكام المذهب المالكي ، وهو ملزم للطرفين ديانة طبقاً لأحكام المذاهب الأخرى .وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء ، إذا اقتضت المصلحة ذلك ، وأمكن للقضاء التدخل فيه ) .
- فتوى مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني المتعلقة بالمرابحة للآمر بالشراء والتي تنص على ما يلي : ( أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء ، بعد تملك السلعة المشتراة ، وحيازتها ، ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الوعد السابق هو أمر جائز شرعاً طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسؤولية الهلاك قبل التسليم ، وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي .أما بالنسبة للوعد ، وكونه ملزماً للآمر بالشراء ، أو المصرف ، أو كليهما ، فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة المصرف والعميل ، وإن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعاً ، وكل مصرف مخير في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام ، حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه ) .
- فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز : حيث وجه إليه السؤال التالي :( إذا رغب عميل البنك الإسلامي شراء بضاعة ما ، تكلفتها ألف ريال سعودي ، وأراها البنك الإسلامي ، أو وصفها له ، ووعده بشرائها منه مرابحة بالأجل لمدة سنة ، بربح قدره مائة ريال سعودي ، لتكون القيمة الكلية ألفاً ومائة ريال سعودي ، وذلك بعد أن يشتريها البنك من مالكها ، بدون إلزام العميل بتنفيذ وعده المذكور أو المكتوب فما رأيكم في هذه المعاملة ؟ ) .فأجاب : ( إذا كان الواقع ما ذكر في السؤال ، فلا حرج في المعاملة المذكورة ، إذا استقــــــــر المبيع في ملك البنك الإسلامي وحازه إليه من ملك بائعه ، لعموم الأدلة الشرعية ) .
الدليل الثالث :
قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي حول مشروعية المرابحة وشروطها
اصدر مجمع
الفقه التابع لمنظمة مؤتمر الدول الإسلامية مجموعة من الإحكام والتوصيات المتعلقة
ببيع المرابحة في دورته الخامسة المنعقدة بالكويت من 1 – 6 جمادي الأولي 1409 هـ،
الموافق 10-15 كانون الأول ( 12 ) 1988 م ، حيث قرر ما يلي :-
- أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعه بعد دخولها في ملك المأمور أي ( المصرف ) وحصول القبض المطلوب شرعا ، هو بيع جائز ، طالما كانت تقع على المأمور مسئولية التلف قبل التسليم وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم ، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه.
- الوعد الذي يصدر من الآمر أي ( العميل ) أو المأمور أي ( المصرف ) على وجه الانفراد يكون ملزما ديانة إلا لعذر ، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقا على سبب ودخل الموعود أي ( المصرف ) في كلفة نتيجة الوعد ، ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد ، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر .
- المواعدة التي تصدر من الطرفين أي ( العميل والمصرف ) تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما ، فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز ، لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه ، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكا للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي r عن بيع الإنسان ما ليس عنده.
خامساً : صور المرابحة المصرفية
المرابحة التي تتعامل بها المصارف الإسلامية
على أساس الوعد بالشراء على ثلاثة أضرب :
الأول : بيع المرابحة على أساس عدم الإلزام بالوعد لكل من المصرف والعميل ،
فمالصرف يقوم بشراء السلعة دون أن يلتزم ببيعها للعميل ، والعميل أيضاً ليس ملزماً
بشراء السلعة التي يشتريها المصرف فكلاهما (المصرف والعميل) مخير في الدخول في عقد
المرابحة أو العدول عنه بحسب رغبته وإرادته .
الثاني : بيع المرابحة على أساس الإلزام بالوعد لأحد الطرفين (العميل أو المصرف)
فقد يكون المصرف هو الملزم بالوعد دون العميل وفي هذه الحالة ليس للمصرف أن يبيع
السلعة التي اشتراها بناء على أمر الآمر بالشراء إلا لذلك العميل . أما العميل
فإنه مخير في إتمام عقد المرابحة مع المصرف أو العدول عنها .
وإذا كان العميل
هو الملزم بالوعد فليس له أن يرفض شراء السلع التي قام المصرف بشرائها بناء على
أمره بالشراء وإذا نكل عن وعده فإنه يلزم بذلك قضاءً وينفذ عليه جبراً . أما المصرف فيكون في هذه الحالة مخيراً بين أن
يبيع للعميل الذي طلب منه شراء السلعة أو لغيره
الثالث : بيع بالمرابحة على أساس الإلزام بالوعد لكل من العميل والمصرف ، فالعميل
ملزم بشراء ما يشتريه المصرف الإسلامي بناء على أمره ، والمصرف ملزم بالبيع للعميل
دون غيره .
سادساً : أقسام المرابحة المصرفية
تقسم المرابحة المصرفية إلى مرابحة داخلية ومرابحة خارجية وكما يلي :
- المرابحة الداخلية : وصورتها أن يتقدم الآمر بالشراء بطلب إلى المصرف الإسلامي ، يرغب من خلاله ، بأن يقوم المصرف بشراء سلعة معينة من السوق المحلي ، بمواصفات محددة ، ويتعهد في المقابل للمصرف بشراء هذه السلعة منه بعد ملك المصرف لها فيوافق المصرف على طلبه ، ويتفق الطرفان (المصرف والآمر بالشراء) على الثمن والربح ، وكيفية الدفع ، وغير ذلك من الشروط الخاصة بالمصرف مسبقاً ويوقعان تعهداً خطياً بذلك .
- المرابحة الخارجية :
وصورتها أن يتقدم الآمر بالشراء بطلب إلى المصرف الإسلامي ، يرغب من خلاله ، بأن
يقوم المصرف بشراء سلعة معينة من خارج
البلاد ، بمواصفات محددة ، ويتعهد في المقابل للمصرف بشراء هذه السلعة منه بعد
ملك المصرف لها . فيوافق المصرف على طلبه ، ويتفق الطرفان على الثمن والربح ،
وكيفية الدفع ، وغير ذلك من الشروط الخاصة بالمصرف مسبقاً ويوقعان تعهداً خطياً
بذلك .
هذا وبالله التوفيق