خصائص العبادات
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الطاهر الأمين.
أولا: أنها خالصة لله
تبارك وتعالى:فينبغي
أن يقصد المسلم في أدائه لعبادته التقرب
إلى الله تبارك وتعالى فيجعلها خالصة لوجهه سبحانه ولا يقترن بها ما يفسدها من
تصنع أو رياء لأن الإخلاص هو أساس قبول الأعمال عند الله تبارك وتعالى ومنها
العبادات .
وحتى تتحقق هذه الصفة في
المسلم فقد حرم الله تبارك وتعالى كل ما يؤدي إلى تعظيم وعبادة غير الله كالذبح
لغير الله بأن يذكر على الذبيحة اسما غير اسم الله . فالمعبود بحق هو الله وليس
سواه.
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ
إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا
شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾[ الأنعام 162-163 ].
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا
إِلَٰهُكُمْإِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ
عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [ الكهف: ١١٠].
ثالثا:أنها صلة مباشرة
بين العبد وربه :
فالمسلم في ممارساته للعبادات يتصل بخالقه مباشرة دون وساطة أحد، فليس في العبادات
وساطة وسطاء، ولا شفاعة شفعاء، فقبول الأعمال بيد الله سبحانه، والأجر والثواب منه
وحده، وليس لغيره حق التدخل في ذلك، فالمصلي في صلاته، والمتوجه إلى الله في
دعائه، يناجي ربه مباشرة دون حجا يحجبه أو بواب يستأذنه.
قال الله تعالى: ﴿
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ
إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ
يَرْشُدُونَ ﴾ [
البقرة: ١٨٦].
﴿
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾
[ غافر: ٦٠].
رابعا: العبادة في الإسلام توقيفية: أي أنها يوقف بها عند
الحدود التي حددها الله تبارك وتعالى، وفعلها النبي ﷺ
فأركانها وشروطها وسننها لا مجال فيها للزيادةعليها أو النقص منها أو التبديل أو التغيير في شيء من
ذلك. فأركان الوضوء وسننه ومبطلاته، وعدد الصلوات والركعات، وعدد أيا الصيام، ووقت
الوقوف بعرفة مثلا يجب أن تؤدى بالكيفية التي شرعها الله تبارك وتعالى وبينها النبيﷺ
.
قال الله تعالى: ﴿
فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ
جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ
كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [ النساء: ١٠٣].
﴿ الْحَجُّ
أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا
فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ
اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا
أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾
[ البقرة: ١٩٧ ].
﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ
كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍفَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى
الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا
فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 183-184]
فالعبادات لا تعلل، فأي
سؤال يراد منه بيان السبب في عبادة من العبادات كمن يسأل لماذا كانت الصلوات خمسا
فقط. ولماذا تغسلالأيدي إلى المرافق وليس إلى الرسغين في الوضوء، ولماذا الصيام
شهراً ونحو ذلك فالجواب عن ذلك كله بأن
العبادات لا تعلل. وقد أكد النبي الكريم ﷺ
هذه السمة في العبادات بقوله : ( صلوا كما رأيتموني أصلي )(1)،
(( لتأخذوا عني مناسككم
))(2) ، (( من أحدث في أمرنا
هذا ما ليس منه فهو رد ))(3).
خامسا: العبادات تقوم على
التيسير ورفع الحرج: لقد راعت الشريعة الإسلامية في المكلف طبيعته وكثرة
أعبائه فجعلت العبادات سهلة وميسورة بالنسبة له حتى يؤديها من غير تقصير فيها أو
تثاقل منها، وحتى لا يؤدي تكليفه بها إلى التقصير في القيام بالواجبات الأخرى
المناطة به . ومن مظاهر يسر العبادات ما
يلي :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
متفق عليه. انظر: صحيح
الجامع الصغير، حديث/ ٨٩٣.
(2)
أخرجه الإمام مسلم، انظر
محتصر صحيح مسلم، حديث/ ٥٠٦١ .
(3)
متفق عليه. انظر: صحيح
الجامع الصغير ، حديث / 5970 .
أ-
قلتها. فهي لا تستغرق إلا
جزءا يسيرا من وقته فالحج في العمر مرة، والصيام والزكاة في السنة مرة والصلاة لا
يستغرق أداؤها ساعة من اليوم.
ب-
تشريع الرخص في العبادات.
لقد راعت الشريعة الإسلامية في الإنسان ظروفه الاستثنائية كالمرض والسفر والتي
تؤثر على أدائه للعبادات بصورتها الكاملة، فشرعت من أجل التخفيف عنه والتيسير عليه
الرخص المتنوعة كالتيمم عند فقد الماء أو العجز عن استخدامه في الطهارة، وقصر الصلاة
وجمعها، وترك الجمعة والجماعة والفطر في رمضان، وعدم الإلزام بالحج عند وجود العذر
المرخص .
وقد بين القران الكريم
هذه الحقيقة في العبادات بآيات بينات :
كقوله تبارك وتعالى:
﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ
سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ
شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ
فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [ الحج: ٧٨ ] .
﴿
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ
مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ
وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا
الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ ﴾ [
البقرة: ١٨٥] .
﴿وَإِذَا
ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ
الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ
الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ (النساء: ١٠١).
وقد ترجم النبي الكريم ﷺ
تلك التوجيهات القرآنية إلى واقع عملي فكان يجمع بين صلاتي الظهر والعصر والمغرب
والعشاء في بعض الحالات تيسيرا على أمته. ورخص في التيمم لمن فقد الماء ولو لعشر
سنوات وكان يقصر الصلاة في السفر، وسئل عن الحج أفي كل عام يا رسول الله فكره ذلك
من السائل وقال: (( لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ))(1).
سادسا: التنوع والشمول: أما تنوعها فليست
العبادات على شاكلة واحدة حتى لا تملها الأنفس وتسأم من أدائها، فمنها عبادات
روحية جسدية كالصيام والصلاة، ومنها عبادات مالية كالزكاة والصدقات، ومنها عبادات
مالية جسدية كالحج والعمرة.
وأما الشمول في العبادات
فيراد منه أن العبادات تشمل أفعال الإنسان القلبية والفكرية والبدنية فكل نية أو
قول أو عمل يراد به وجه الله فهوعبادة.
ومن الأمثلة والشواهد الحية على ذلك قوله ﷺ : (( من سأل الله الشهادة بصدق
بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ))(2).
فدل الحديث الشريف على أن
النية الصادقة عبادة يثاب فاعلها عليها بأجر عظيم .
وقوله تبارك وتعالى: ﴿
لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ
مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ
مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [ النساء: ١١٤].
فالأمر بالصدقة والمعروف
والإصلاح بين الناس عبادة قولية. ومن العبادات الفعلية السعي في طلب الرزق للنفقة
على النفس أو الوالدين أوالزوجة والأولاد. فقد بين النبي الكريم عليه الصلاة
والسلام أن أفضل دينار ينفقه الرجل على عياله وأن سعيه في حاجة والديه عبادة وأن
ما ينفقه على زوجته له به صدقة. فقال: (( دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار
أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا
الذي أنفقته على أهلك ))(3) .
هذا وبالله التوفيق
والحمد لله رب العالمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) أخرجه الإمام مسلم
والنسائي. انظر: التاج الجامع للأصول ١٠٨/٢-١٠٩
(٢) أخرجه الإمام مسلم.
انظر: مختصر صحيح مسلم، حديث/ ١٠٧٨ .
(3)
أخرجه الإمام مسلم، انظر صحيح الجامع الصغير، حديث/ ٣٣٩٨.