عذاب القبر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على
سيدنا محمد الطاهر الأمين
عذاب القبر حق ويستدل عليه من القرآن الكريم بقول الله تبارك وتعالى:
((وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة
أدخلوا ال فرعون أشد العذاب)) سورة غافر الآيتين 45 -46.
وجه الاستدلال بالآية الكريمة: أن الله تبارك وتعالى توعد آل فرعون بنوعين
من العذاب في النار الأول: بقوله تعالى ((النار يعرضون عليها غدواً وعشيا))
والثاني بقوله تعالى: ((ويوم القيامة تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب))
وقد عطف الأول على الثاني والعطف يقتضي التغاير بين المعطوف والمعطوف عليه فدل ذلك
على أن العذاب الأول غير العذاب الثاني وإذا كان العذاب الثاني بعد قيام الساعة
فلابد أن يكون الأول واقعاً قبل قيام الساعة وبعد الموت ولا يكون عذاب بالنار بعد
الموت وقبل الساعة إلا في القبر.
قال القرطبي رحمه الله: الجمهور على أن هذا العرض يكون في البرزخ وهو حجة
في تثبيت عذاب القبر.
وقول الله
تبارك وتعالى عن قوم نوح عليه السلام: ((مما خطيآتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً)) سورة نوح:
الآية 25.
وجه الاستدلال: أن العطف بالفاء في الآية الكريمة يدل على الترتيب والتعقيب
فالإدخال في النار كان بعد الإغراق مباشرة، ولايكون التعذيب بالنار قبل قيام
الساعة إلا في القبر.
وقول الله تبارك وتعالى: ((ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة
باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير
الحق وكنتم عن أيته تستكبرون)) سورة الأنعام الآية 93.
((ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا
عذاب الحريق)). سورة الأنفال: الآية 50.
((فكيف ذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم)) سورة محمد:
الآية 27.
وجه الاستدلال: أن الآيات الكريمات تبين لحظات خروج أرواح الكافرين وما
يعقب ذلك الخروج من تعذيب بالنار، ومعلوم أن التعذيب بالنار قبل قيام الساعة
لايكون إلا للأرواح في القبور.
وأما من السنة فمنها: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((مر النبي صلى
الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال: بلى أما
أحدهما فكان يسعى بالنميمة وأما الآخر فكان لايستتر من بوله)).
وقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن هذه
الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوات الله أن يسمعكم من عذاب القبر
الذي أسمع منه)).
وأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً وقد غربت الشمس فسمع صوتاً فقال:
يهود تعذب في قبورها)). أخرجة البخاري في صحيحه
وأما كيفية عذاب القبر فهو من علم
الغيب نؤمن به ، ولا نخوض في تفاصيله الا بالقدر الذي صح عن النبي صلى الله عليه
وسلم من غير زيادة ولا نقصان فليس للعقل قدرة على معرفة كيفيته.
فنؤمن بأن الميت اذا مات يكون في
نعيم او عذاب ،ونؤمن بأن كل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه قبر أم لم
يقبر سواء أكلته السباع أم أحترق حتى صار رماداً أو غرق في البحر .
وقد أتفق أهل السنة والجماعة على
أن كل إنسان يسأل بعد موته عن أعماله قبر أم لم يقبر حتى لو أكلته السباع أو أحرق
حتى صار رماداً ونسف في الهواء أو غرق في البحر وجوزي بالخير خيراً وبالشر شراً .
قال الإمام ابن القيم: مذهب سلف
الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه
وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة وأنها تتصل بالبدن أحياناً ويتصل
له معها النعيم أو العذاب.
وجاء في شرح العقيدة الطحاوية:
((وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه
لمن كان لذلك أهلاً، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به.
فإن عود الروح الى الجسد ليس على
الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في
الدنيا، فالروح وإن فارقته، وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقاً كلياً بحيث لايبقى
لها إليه التفات البته،فإنه ورد ردها إليه وقت سلام المسلم عليه، وورد انه يسمع
خفق نعالهم حين يولون عنه.وكذلك عذاب القبر يكون للنفس والبدن جميعاً باتفاق أهل
السنة والجماعة
وأعلم أن عذاب القبر هو عذاب
البرزخ فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه قبر أو لم يقبر، أكلته السباع
أو أحترق حتى صار رماداً ونسف في الهواء أو صلب أو غرق في البحر، ووصل الى روحه
وبدنه من العذاب ما يصل الى المقبور.
ويجب أن يعلم أن النار التي في
القبر والنعيم ليس من جنس نار الدنيا ولا نعيمها، وإن كان الله تعالى يحمي عليه
التراب الحجارة التي فوقه وتحته حتى يكون أعظم حراً من جمر الدنيا، وقدرة الله
أوسع من ذلك وأعجب، ولكن النفوس مولعة بالتكذيب بما لم تحط به علماً)).
هذا وبالله التوفيق والحمد لله رب العالمين