تأمين الحياة في شركات التأمين الإسلامية

الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الطاهر الأمين
قبل بيان مفهوم تأمين الحياة والحكم الشرعي له لا بد من توضيح الأمور التالية:
  • إن مصطلح التأمين على الحياة لا يراد منه تأمين الإنسان ضد خطر الموت لأن الموت قضاء الله تبارك وتعالى وقدره على كلِّ كائنٍ حي فلا يدفعه تأمين ولا غيره كما قال تعالى:)كل نفس ذائقة الموت([آل عمران: 158]، )قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم([الجمعة: 8]. ولكن المراد بتأمين الحياة هو ترميم آثار المخاطر التي تتعرض لها حياة الإنسان إما بزوالها (أي الموت) أو بضعفها (أي العجز الكلي والشيخوخة)، لأن موت الإنسان أو عجزه عجزاً كلياً أو جزئياً يترتب عليه تبعات مالية تثقل كاهل أسرته حال حياته، وورثته بعد مماته، وكذلك فإن كبر سنّه يضعفه عن العمل والكسب فكان لا بد من البحث عن سبيل مشروع للتخفيف من آثار الموت أو العجز.
  • إدراكاً من شركات التأمين الإسلامية للفهم المتبادر من مسمى (تأمين الحياة) وماله من ظلال لا تحمد عقباها على مسامع الكثيرين فقد اصطلح على تسمية هذا النوع من التأمين بـ(تأمين التكافل الاجتماعي).
  • لا يوجد دليل شرعي خاص بكل نوع من أنواع التأمين التي يغطيها التأمين التعاوني الذي تعمل بمقتضاه شركات التأمين الإسلامية، ويستدل على مشروعية جميع أنواع التأمين التي تقدمها تلك الشركات بالأدلة الشرعية التي يستدل بها على مشروعية التأمين التعاوني. ونظراً لخصوصية هذا النوع من التأمين فقد خصَّ ببعض الأدلة الشرعية وتم بحثه بشكل مفصل في بعض الندوات الفقهية كما سيأتي.
  • إن التأمين على الحياة في الشركات الإسلامية لا يجوز أن يكون لغايات الكسب والاسترباح لأن الغاية منه ترميم آثار مخاطر الحياة الفعلية وهي: (الموت، والعجز، والشيخوخة) على أساس التعاون والتضامن بين المشتركين فقط ولا يغطي الحالات التي تتضمن مراهنة على بقاء المؤمن له حياً بعد مرور مدة زمنية معينة وهو ما يعرف بالتأمين لحالة البقاء في التأمين التجاري.
مفهوم تأمين التكافل الاجتماعي (تأمين الحياة) :
يُعرّف هذا النوع من التأمين بأنه: عقد بين شركة التأمين الإسلامية والمؤمن له يلتزم بموجبه المشترك بدفع الاشتراك المتفق عليه بينهما مقابل التزام الشركة بدفع مبلغ التأمين من حساب المستأمنين في حالة وفاة المؤمن له خلال مدة التأمين أو عجزه الكلي الدائم.
فمبلغ التأمين يُدفع إلى عائلة المشترك إذا تُوفي خلال المدة المحددة بالعقد معونةً لها تعوِّضها بعض الشيء عن مصيبتها بفقد عائلها على أساس التبرع المتبادل بين المشتركين كصورة من صور التعاون والتكافل المندوبين شرعاً تحقيقاً لقول الله تبارك وتعالى: )وتعاونوا على البر والتقوى ( [المائدة: 2].
 وقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما). فالفكرة التي يقوم عليها (تأمين التكافل الاجتماعي) كبديل مشروع لتأمين الحياة في التأمين التجاري المحرم هي:
تقديم معونة مالية تجبر من أصيبوا بمصيبة موت عائلهم على أساس التكافل بين المشتركين لترميم آثار مصيبة الموت التي ألمت بهم كما قال الله تبارك وتعالى: )إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت) [المائدة: 106]. فالموت مصيبة تحل بالورثة وتحمّلهم الأعباء التي كان يتحملها عنهم عائلهم ومورثهم، وتأمين التكافل الاجتماعي هو أحد السبل المشروعة لرفع ودفع الضرر عنهم.
مشروعية تأمين التكافل الاجتماعي:
إن تأمين التكافل الاجتماعي لا يتعارض مع قواعد التشريع الإسلامي الحنيف ومبادئه لأن تفكير المسلم في مستقبله ومستقبل ذريته (بعد التوكل على الله تبارك وتعالى) لا يخالف أية قاعدة من قواعد الشرع ولا يصطدم كفكرة ونظام بقضاء الله تعالى وقدره بل هو يتفق مع مقاصد الشريعة الغراء ومبادئ التعاون المثمر البناء بين أفراد المجتمع لتأمين العيش الكريم لذرية من وافته المنية استئناساً بقول الله تبارك وتعالى:(وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم( [النساء: 9]،  وقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : «.... إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» (رواه البخاري).
وكذلك فعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي لم يقسم الأراضي المفتوحة في العراق والشام على المجاهدين وإنما أبقاها في أيدي أهلها وفرض عليهم الخراج ليكون مصدراً دائماً لدخل بيت المال وتعقيبه رضي الله عنه على ذلك قائلاً: «فإذا قسّمتُ أرض العراق ... فما يسُد به الثغور وما يكون للذرية والأرامل بهذا البلد وبغيره».
فتأمين التكافل الاجتماعي يمثل صورة من صور الأخذ بالأسباب الظاهرة المشروعة لتأمين مستقبل الأولاد بقدر الإمكان من غير أن يكون في ذلك تحدٍّ لإرادة الله تبارك وتعالى وقدرته مع تفويض الأمر كله إلى الله تبارك وتعالى كما في مسألة الرزق فكما أن الرزق مقدّر فالأجل مقدّر كذلك، وقد أمرنا الله تبارك وتعالى أن نأخذ بالأسباب الظاهرة لتحصيل وتأمين ما قدّر لنا من رزق، وتأمين التكافل الاجتماعي هو أخذٌ بالأسباب الظاهرة لكسبٍ مشروعٍ للذرّية بعد الموت، وإبراء للذمة من الدَّين على أساس التعاون والتكافل والتضامن بين المستأمنين.
وقد نوقش موضوع التأمين على الحياة بالتفصيل في الندوة الثالثة لبيت التمويل الكويتي التي عقدت بتاريخ 6-8/ ذي القعدة 1413 هـ الموافق 27-29/ نيسان 1993م وصدرت بذلك الفتاوى والتوصيات التالية:
  1. إن التأمين على الحياة بصورته التقليدية القائمة على المعاوضة بين الأقساط والمبالغ المستحدثة عند وقوع الخطر أو المستردة مع فوائدها عند عدم وقوعه هو من المعاملات الممنوعة شرعاً لاشتماله على الغرر الكثير والربا والجهالة.
  2. لا مانع شرعاً من التأمين على الحياة إذا أقيم على أساس التأمين التعاوني (التكافل) وذلك من خلال التزام المتبرع بأقساط غير مرتجعة وتنظيم تغطية الأخطار التي تقع على المشتركين من الصندوق المخصص لهذا الغرض، وهو ما يتناوله عموم الأدلة الشرعية التي تحض على التعاون على البر والتقوى وإغاثة الملهوف ورعاية حقوق المسلمين والمبدأ الذي يقوم عليه لا يتعارض مع نصوص الشريعة وقواعدها العامة.
  3. يوصي المشاركون باستكمال العقود والصور العملية لمزاولة التأمين على الحياة وإعادة التأمين وفق مبادئ الشريعة الإسلامية وضوابطها.
دوافع ومبررات تأمين التكافل الاجتماعي.
إن أهم الأسباب التي تدفع المستأمنين إلى تأمين التكافل الاجتماعي ما يلي:
  1. رغبة المشترك في الاطمئنان بعد التوكل على الله تبارك وتعالى على مستقبل زوجته وأولاده بعد الموت من خلال حصولهم على مبلغ التأمين الذي يدفع لهم على أساس التبرع من بقية المشتركين بحيث يمكنهم من تغطية نفقاتهم الضرورية وخاصة نفقات التعليم ويحقق لهم العيش الكريم.
  2. حرص المشترك على استقرار زوجته وأولاده في مسكنهم الذي كانوا يعيشون ويسكنون فيه حال حياته بحيث لا يباع جبراً عنهم لسداد بقية الأقساط التي لم تدفع قبل موته.
  3. رغبة وحرص المشترك على إبراء ذمته من الدَّين الثابت فيها للمؤسسة التي اشترى منها مسكنه أو عقاره حتى لا يبقى محبوساً في قبره بسبب ذلك الدّين.
  4. رغبة المشترك بمساعدة شخص آخر من غير أسرته بعد الموت بحيث يكون هو المستفيد في وثيقة التأمين ويدفع له مبلغ التأمين.
هذا وبالله التوفيق