بيع المرابحة الذي تتعامل به المصارف الإسلامية

 

بيع المرابحة الذي تتعامل به المصارف الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا ورسولنا محمد الطاهر الأمين

 

المرابحة المصرفية هي : قيام المصرف بشراء السلعة التي طلبها الآمر بالشراء بثمن نقدي ثم بيعها له بثمن معلوم وربح معلوم وإلى أجل معلوم .

ويشترط لصحتها الشروط الآتية :

1. أن يكون الثمن معلوماً للبائع والمشتري لأن العلم بالثمن شرط في صحة البيوع ويشمل هذا الشرط المرابحة لأنها نوع من أنواعها .

2. أن يكون الربح معلوماً للبائع والمشتري لأنه بعض الثمن ، والعلم بالثمن شرط في صحة البيوع

3. أن يكون المبيع مما يجوز بيعه شرعاً .

4. ألا يكون المبيع مما لا يجوز بيعه بالثمن المؤجل كالذهب والفضة والعملات . لأن الغالب في المرابحة المصرفية أن يكون الثمن مؤجلاً .

5.  أن يكون أجل الثمن معلوماً .

6. وجوب تملك المصرف للسلعة قبل بيعها للمشتري مرابحة ، ملكية يترتب عليها ضمانه لمخاطر التلف قبل التسليم وتبعة الرد بالعيب الخفي.

مشروعية المرابحة المصرفية :

بيع المرابحة للآمر بالشراء على أساس الوعد الملزم أو عدم الإلزام عقد جديد ومحل اجتهاد عند أهل العلم وقد ذهب معظم العلماء إلى أن هذا العقد مشروع ، واستدلوا على مشروعيته بأدلة من المنقول والمعقول أهمها :

الدليل الأول: عموم الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة الدالة على مشروعية جميع أنواع البيوع إلا ما خصص منها بآية أو حديث . أما ما لم يخصص فإنه يبقى على أصله وهو الحل والإباحة. 

 ومن هذه النصوص : قول الله تبارك وتعالى ( وأحل الله البيع ) [ سورة البقرة،الآية : 275 ] فقالـــــوا : إن الآية تفيد حل جميع أنواع البيع ولا يحرم من البيوع إلا ما حرمه الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بنص محكم لا شبهة فيه ، وبيع المرابحة للآمر بالشراء أحد أنواع البيع يدخل في هذا العموم ، وبما أنه لم يخصص بالتحريم فيبقى على الأصل ، وهو الحل والإباحة .

الدليل الثاني : نصوص الفقهاء وفتاوى العلماء وأشهرها ما يلي :

أ-  قول الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الأم : ( وإذا أرى الرجلُ الرجلَ سلعة فقال : اشتر هذه وأُربحك فيها كذا ، فاشتراها الرجل ، فالشراء جائز ، والذي قال : أُربحك فيها بالخيار ، إن شاء أحدث فيها بيعاً ، وإن شاء تركه . )

ب- قول الإمام ابن القيم في كتاب إعلام الموقعين : ( إذا قال رجل لغيره اشتر هذه الدار ، أو هذه السلعة من فلان بكذا وكذا ، وأنا أربحك فيها كذا وكذا ، فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها ، ولا يتمكن من الرد ، فالحيلة أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام أو أكثر ، ثم يقول للآمر : قد اشتريتها بما ذكرت ، فإن أخذها منه (أي اشترى الآمر السلعة من البائع بما ذكــــر له من الثمن فالبيع صحيح) وإلا تمكن من ردها على البائع بالخيار ، فإن لم يشترها الآمر إلا بالخيار ، فالحيلة أن يشترط له خياراً أنقص من مدة الخيار التي اشترطها هو على البائع ليتسع له زمن الرد إن ردت عليه ) .

ج-  قول ابن شبرمة المالكي فيما يتعلق بالإلزام بالوعد : ( إن كل وعد بالتزام لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً يكون وعداً ملزماً قضاء وديانة  ) ، فقالوا : إن قول ابن شبرمة تشهد له ظواهر النصوص القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والأخذ به أيسر على الناس ، والعمل به يضبط المعاملات .

د- مذهب الحنابلة :  أن الأصل في المعاملات والعقود الإذن والإباحة ، إلا ما جاء نص صحيح الثبوت صريح الدلالة يمنعه ويحرمه ، فيوقف عنده .

ه- فتوى مؤتمر المصرف الإسلامي الأول التي تنص على ما يلي :

( إن مثل هذا التعامل (بيع المرابحة للآمر بالشراء) يتضمن وعداً من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها ، ووعداً آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد الشراء طبقاً للشروط .  إن مثل هذا الوعد ملزم للطرفين قضاء طبقاً لأحكام المذهب المالكي ، وهو ملزم للطرفين ديانة طبقاً لأحكام المذاهب الأخرى . وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء ، إذا اقتضت المصلحة ذلك ، وأمكن للقضاء التدخل فيه ) .

و- فتوى مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني المتعلقة بالمرابحة للآمر بالشراء والتي تنص على ما يلي : ( أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء ، بعد تملك السلعة المشتراة ، وحيازتها ، ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الوعد السابق هو أمر جائز شرعاً طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسؤولية الهلاك قبل التسليم ، وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي . 

أما بالنسبة للوعد ، وكونه ملزماً للآمر بالشراء ، أو المصرف ، أو كليهما ، فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة المصرف والعميل ، وإن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعاً ، وكل مصرف مخير في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام ، حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه ) .

الدليل الثالث : قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي حول مشروعية المرابحة وشروطها :

اصدر مجمع الفقه التابع لمنظمة مؤتمر الدول الإسلامية مجموعة من الإحكام والتوصيات المتعلقة ببيع المرابحة في دورته الخامسة المنعقدة بالكويت من 1 – 6 جمادي الأولي 1409 هـ، الموافق 10-15 كانون الأول ( 12 ) 1988 م ، حيث قرر ما يلي :-

1. أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعه بعد دخولها في ملك المأمور أي ( المصرف ) وحصول القبض المطلوب شرعا ، هو بيع جائز ، طالما كانت تقع على المأمور مسئولية التلف قبل التسليم وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم ، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه.

2. الوعد الذي يصدر من الآمر أي ( العميل ) أو المأمور أي ( المصرف ) على وجه الانفراد يكون ملزما ديانة إلا لعذر ، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقا على سبب ودخل الموعود أي ( المصرف ) في كلفة نتيجة الوعد ، ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد ، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر .

3. المواعدة التي تصدر من الطرفين أي ( العميل والمصرف ) تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما ، فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز ، لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه ، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكا للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي  صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده.

هذا وبالله التوفيق والحمد لله رب العالمين